Feb 19, 2009

ذات صــباح دافـــئ !!ه


أسلم قدميّ لأمي كي تربط لي رباط الحذاء ، وما تكاد تنتهي حتي أزوم مطالباً بربطة ( الفيونكة ) ، تفك أمي ما عملته مستسلمة لرغبتي ومتسائلة عمن أورثني هذه ( الألاطة )!!!ه

يأخذني أبي من يدي حتي نصل الي الدراجة فيجلسني علي المقعد الصغير أمامه ثم نأخذ الطريق الي عمله ،تملؤني الغبطة الطفولية من هذا الصباح الدافئ وإصرار أبي علي تخير المناطق ذات ( المطبات )كي يضحكني

ما أن يلج من بوابة المستشفي حتي يبدأ في توزيع تحية الصباح علي كل من يلاقيه لتتراوح الردود المتحمسة بين ان الصباح صباح النور او الفل او الخيرات او الأنوار او حتي صباح الرضا وهذه حكر علي عمو عبد النبي!ه

يودع أبي دراجته مكانها ويسير بي الي العيادات ، أبواب كثيرة متجاورة يتزاحم علي بعضها أمهات يحملن رضعاً ، او رجال ونساء معصوبي الأعين ، او ذوي ضمادات ضخمة ،او حتي ذوي جبائر جبسية وان كانوا قد اتفقوا كلهم علي حمل ورقة ما في أيديهم يبرزونها لكل من يحادثهم

من الباب المختار ندخل ، تغيب عنا الضوضاء بالخارج ونحن داخل تلك الغرفة الصغيرة ذات الفراش الرفيع والمكتب الصغير، يستقبلنا الطبيب بابتسامة معتبرة ثم يقدمني له أبي مع الشرح الوافي لما لاقيته بالأمس

قام يرجّع الساعة أربعة الفجر وكان سخن ، عملنا له كمادات لغاية النهار ما طلع

يطمئنه الطبيب ويطلب مني ان اضطجع وأكشف بطني ويمد يده ليكشف عليّ فأنتفض وأبعد يده منزعجاً

إيدك ساقعة!!ه

ينفجر ضاحكاً هو وأبي ويبدأ في فرك يديه معتذراً

*********************


هو قال ايه؟

هذه كانت مني وانا أنظر لأعلي مترقباً الجواب من أبي ، يعرف عما أسأل لذا يستمسك بالإبتسامة الصامتة حتي نصل الي الباب المرهوب ، عمو عبد اللطيف يستقبلني بسلام مدوي ويعرف أنني مريض فيحاول مداعبتي وأنا ملته عنه وقد زاغت عيناي تجري علي الرف بجانب كتفه ، إن كانت موجودة سوف تكون علي هذا الرف بشريطها الأحمر المميز ، علم أبي ان حقن ( البنسلين المائي)ليست موجودة وكنت قد وصلت لنفس النتيجة بمنتهي الفرح وكانت النصيحة أن يستبدلها بحقن ( بنسلين بروكايين ) وهو ما لم يؤثر في فرحتي شيئاً ، لا أحد غيري يعرف الفارق!ه

*********************


يعود بنا أبي الي مكان عمله في ( المتوطنة ) وهو اسم غريب غالبا يرجع لشكل مقدمة المبني التي تشبه المظلّة( ! )ه

يرسلني أبي مع ( رضا ) لكي تشتري لي ( حاجة حلوة ) من عند ( أم الأصيل )، أنا أحب أم الأصيل جدا فهي دوما تعطيني اللبان الذي أحبه- بم بم فراولة - كما أنها تتركني ألعب في الصندوق الراقد داخل الحجرة والذي يشبه الصندوق الذي رأيته بالأمس في تمثيلية ( علي الزيبق )!ه


يجلسني أبي علي المنضدة ويشجعني علي أكل البسكوت واللبان ريثما ينهي عمله ، تدخل تانت ( أم رباب ) فتسلم عليّ وتعطيني حبة تفاح لأكلها ، تسأل أبي المنهمك عن ( النتيجة )فيشير أبي الي مجموعة من الأنابيب المتراصة علي المنضدة بها سوائل ملونة جميلة ،تنهمك هي في فحص الأنابيب وأشعر انا ان الوقت المناسب قد حان لأقطع الشك باليقين ، بعد دقيقة سمعتها تلفت نظر أبي ضاحكة الي اني نزلت تحت المنضدة ومددت إصبعي ألمس قدمها!!ه


الأن تيقنت أنها تلبس ( شراباً ) وان هذه ليست ساقها!!ه

Feb 11, 2009

واحد منكم

لا تنسوا ابدا أنني واحد من هذا البلد ، فإذا ما عادت التعليقات الغائمة والتنبيه ليد الدولة الثقيلة والبعد عن ( البهدلة ) والمتابعة الأمنية بعد ان سكنت المدافع ومات من مات وحيا من حيا فماذا تتوقعون مني ؟

اذا ما عدنا للحديث عن ما نحيا فيه من عنت وما نلاقيه من الصباح للمساء فلا مانع لديّ حينئذ ان اعود معكم!!ه

ان هي الا بضع سطور قليلة أتمم بها ما قصدته في التدوينات الثلاث الماضية سأحاول ان اكون فيها ضيفا ظريفا لا يثقل علي مضيفيه

طغمة من المذنبين سوف نكون ان لم يتغير مسعانا عن ما كان قبل المذبحة، وان لم تكن كل هذه الأرواح والأشلاء قادرة علي تحريك تقديرنا لذواتنا فلا ينبغي ان نستنكر ابدا من يغمد سكينه في رقابنا فيذبحنا مثل الخرفان!!ه

سوف تعود المدونة الي خطها الرئيسي مرة أخري ، وهذا بعد ان نوضح انني باجتهاد متواضع قبلا قلت ماينبغي علينا والأن أقول باجتهاد أخر متواضع ما لا ينبغي فعله

لا ينبغي ان نهدر اعظم نعم الله ( الوقت ) فيما لا يفيد ، ان ساعة قد نقضيها في التسكع امام المحلات هي نفسها اللازمة لقراءة قصة تقربنا من نفوس البشر المستغلقة علينا او لقراءة فصل في التاريخ يخبرنا عن احوال الأمم صعودا وهبوطا لنتعلم او لزيارة بيت للأيتام والعطف عليهم

لا ينبغي ان نستنيم الي الأوهام ، ونسمي ما نحن فيه وضع مؤقت وما ننجزه لأنفسنا انجازا لمجتمعنا ، وننسي اننا نرقد فوق بحر من الفساد يلوث ويقتل كل بذرة نغرسها

لا ينبغي ان نواصل التحوصل علي أنفسنا - علي بيوتنا - علي عائلاتنا - علي فئاتنا- علي طبقتنا دون ان نمد الأيدي والمشاعر للأخرين، وننكب علي أولادنا والمطعم والمشرب والملبس وهي السفاسف بالنسبة للتربية والهدف والقيم والأخلاق، والدنيا فيها من كل الألوان و سوف تدهشوا من القدر الهائل من أولاد الحلال الذين نلاقيهم أينما وضعنا عيوننا

لا ينبغي ان نخترع أسبابا لكي نختلف ولكن نخترع أسبابا لكي نتلاقي ونتألف ، ولنتذكر أن نشكر الله علي الرأي الأخر ونشجع صاحبه فبدونه لم نكن لنعرف خطأ مذهبنا أو لم نكن لنتأكد من صحته فنزداد عليه ثباتا ورسوخا

لا ينبغي ان نسير مع الركب دون ان تعمل عقلك وتسأل مرة واثنين وعشرة ومليون ان لم يفتك عقلك ، لا تنجرف وراء فاسد وتقول ان الفساد صار من طبائع الأشياء في هذا الزمان فهناك في مقابل هذا الفاسد الاف يغدون ويروحون علي حقولهم وألاتهم لا يرجون الله الا الستر من كدهم ، ولا تنجرف وراء من يطلق لحيته ويلبس الأبيض ويلهج بالدعوة للعبادات دون ان تعمل عقلك وتمد الخط الي نهايته وتري ان كان هذا انتزعك من دنياك وواجباتك فيها ام لا

لا ينبغي ان ننام عن الحقوق والأمانة التي حملها الأنسان ونتركها نهبا لقوي الجشع والتحكم وننسي اننا مطالبون بالحفاظ عليها وتسليمها كاملة لمن بعدنا كما تسلمناها مخضبة بدماء الشهداء ، كل فرد يجب ان يعرف مسئوليته ويبدع من الطرق ما يستطيع به ان يوفي مسئوليته

لا ينبغي ان نعتقد ان الحالمين بالتغيير هم أناس من كوكب أخر او وحي ينزل من السماء أو مهدي منتظر لا نتأفف من انتظاره ، التغيير يأتي علي يد الفرد العادي اذا ما تخلي عن السلبية والخوف وعبادة الوهم، حين تختفي من أمام عينيه الحدود التي يضعها البشر ولا يبقي أمامه الا حدود ضميره فقط ، ولا يبالي بالدعاوي والخرافات

الحالمون بالتغيير في فرنسا كان اسمهم الرعاع وبعد الثورة صاروا هم الثوار وما كانوا الا مجرد مجموعة من المثقفين تساندهم الشراذم والمتسولين والمتشردين والصعاليك ، هؤلاء الصعاليك اختالوا علي سكان العالم أجمع بمبادئ ثورتهم والتي ساوت بين البشر وكفلت حقوقهم بينما نعجز عن تفعيل مبادئ الوحي - الذي سبق بقرابة القرن من الزمان - ولو علي أنفسنا

أيها السادة الأفاضل ، انا في النهاية واحد منكم ومدونتكم سوف تعود لردائها الطبيعي ولا يسعني الا ان اختتم بمقولة عبد الرحمن الكواكبي

ما بال الزمان يضن علينا برجال ينبهون الناس ويرفعون الإلتباس ويفكرون بحزم ويعملون بعزم

ولا ينفكون حتي ينالوا ما يقصدون