Dec 21, 2009

وسط البلد - ميدان طلعت حرب

أعتقد أنها قسمة عادلة لو نسبنا الميدان لطلعت حرب باشا
والشارع لسليمان باشا ، فكلاهما يستحق

************

الميـــــدان

لا نبالغ ان قلنا أن ميدان طلعت حرب هو أجمل ميادين مصر والشرق الأوسط كله بلا منازع بل وأكثرهم إحتفاظا بسحره وعراقته وطابعه المعماري المتميز والأوفر حظا بنجاته مما حط علي الميادين الأخري من أفاعيل حولت معظمها الي صور تعبر عن ( المولد الشعبي ) في مصر!!ه

الميدان في الأصل كان لسليمان باشا الفرنساوي القائد العسكري المعروف وكان الميدان رحما لتمثاله قبل ان يستبدل باسم وتمثال حرب باشا

يشغل الميدان أهم موقع من مواقع وسط البلد علي الإطلاق حيث يعتبر المدخل الأساسي لأي من شوارع القاهرة الخديوية ومعالمها ، كما انه ملتقي تقاطع أشهر شوارع القاهرة وأعرقها مثل سليمان باشا وقصر النيل الخ

حدود الميدان قد تحددت بعدد غير قليل من المعالم المشهورة مثل(جروبي)وهو حلواني سويسري ارتاد القاهرة أوائل القرن العشرين وأسس محله لخدمة الأجانب في مصر وكذا الطبقة العليا المصرية ومثله أيضا مكتبة (مدبولي) وهو الناشر الأريب المتوفي هذا العام وحديثا اتخذت دار الشروق مكانا في حلقة المتاجر المحيطة بالميدان وكذا جريدة الخميس الأسبوعية
أعلي(جروبي) يظهر مكتب المحاماة السابق للسياسي أيمن نور والذي استحق بموقعه الذي لا يتكرر أن يعلنه مقرا رئيسيا لحزبه ( الغد) قبل أن يدخل هو السجن ويتنازع المتنازعون علي التركة والمقر ضمنها وأدي النزاع اخر الأمر الي حرق المقر وكان الدور علي البناية بكاملها لولا ستر من الله
والقاهرة الخديوية قديما وحين ارتفعت عماراتها واحدة بعد الأخري في أوائل القرن العشرين حازت كل أسباب الجمال المعماري فمصممي
الشوارع كان قد تم استدعاؤهم من إيطاليا ومن فرنسا لكي يخطوا الشوارع والميادين
وعلي أن تكون عمارة البنايات متناسقة مع التخطيط ومؤسسة علي نهج أعرق مذاهب التصميم الأوروبية فظهرت الشوارع مستقيمة تتقاطع في ميادين بشكل دائرة مثالية ويحف هذا كله بنايات بديعة متناسقة علي طرز الروكوكو والباروك الشائعين في أغلب دول أوروبا كفرنسا وايطاليا
والجدير بالذكر أن المنطقة تحولت بعدها الي قلب العاصمة فقد انتقل الخديو اسماعيل من مقره في القلعة ليحكم من قصر عابدين كما أن شوارع المنطقة كانت مما يألفه الأجانب ويميلون للعيش فيه أو بما يناسب أنشطتهم التجارية فصارت المنطقة مركزا للشركات والمحال الحديثة وبالتالي صارت حاضنة للسلطة والمال واختطفت اسم (قلب العاصمة)من الجمالية والقلعة بعد قرابة الألف عام
ومع قيام الثورة أخذ الأجانب يشعرون بتبدل الحال وصدق ذلك نتيجة مفاوضات الجلاء وارتفاع يد الراعي البريطاني عن حماية مصالحهم وزادت وتيرة جلائهم عن مصر أيان العدوان الثلاثي - وبخاصة اليهود - الي أن قاربوا الإختفاء من حياة المصريين أوائل الستينات ومع إحتدام قرارات التأميم والتمصير وان بقيت مع كل هذا (وسط البلد )هي القلب الاقتصادي لرؤس الأموال المصرية باحتضانها البورصة والكثير من الشركات والمتاجر الكبري والمقار الرئيسية للبنوك المصرية وأبرزها بنك مصر
الــرجــل

طلعت حرب باشا ، مصري من أصول ريفية - محافظة الشرقية - ومتخرج من كلية الحقوق
نابه ومفكر وعلامة بارز وله مؤلفات تخص مصر والدولة العثمانية والرد علي كتب قاسم أمين في تحرير المرأة وكتاب عن قناة السويس قاد حملة ناجحة لإبطال دعوي بريطانيا في مد الامتياز الخاص بالقناة
الرجل مع كل هذا تقلب في مناصب كثيرة اختتمها بادارة شركة كوم أمبو والشركة العقارية المصرية والأخيرة كانت ارهاصا لما سيسير فيه من بعد فقد عمل علي تمصيرها ولم يتركها الا وأغلب أسهمها في أيدي المصريين
الرجل مع كل هذا لم يهدأ ودار يدرس الأقتصاد والأداب واللغات واتصل بكافة التيارات الموجودة علي الساحة أنذاك وتفاعل معها ، بطريقته!!ه
الباشا كان خير مثال لفصيل من الرجال نادري الوجود والذي قد نحيا ونموت دون ان نري منهم واحدا ، الرجل من هذا الفصيل هو المقياس
الحقيقي لكلمة رجل ، لم يختطف الكلمة من أفواه الساقطات او بالتجبر علي الضعفاء او التكشير وإهانة الزوجات إنما تشرب الرجولة روحا من عمل وتهذيب نفس ورقي وتكريس الحياة من أجل الغير
هذا الفصيل قليل الكلام وان كان يعطي للكلام أبعادا ثلاثية ، الكلام
عنده يلمس ويحس ، الكلام عنده ليس خطبا تسود ولا أناشيد تتلي ، الكلام لدي هذا الفصيل يتحول الي أشياء وانجازات تنفع وتعلي
وهذا الفصيل لا يجري خلف الكراسي والمناصب ولا يهتم بها ، فأمثال هؤلاء هم من تتشرف بهم المناصب
وهذا الفصيل من الرجال يعلم جيدا جدا قيمة الوقت وينسب كل شئ يقوم به للأيام والساعات ، فبمثل هذا يفترق
الذي بني القلاع وشيد الانجازات عمن قضي حياته نكرة لايذكره حتي ابنائه!!!ه
طلعت حرب ، الرجل الذي كان شغله الشاغل مواطنيه الضعفاء المسحوقين أمام الوجود الأجنبي والمحرومين من الوظائف وحقوق العمل العادلة ، نادي بتأسيس بنك للمصريين ليس كحافظة لأموالهم فقط ولكن كأداة لإدخال الصناعات المختلفة لمصر والحد من البطالة

وتأسس البنك عام الف وتسعمائة وعشرين ورفض الباشا ان يكون رئيسه واكتفي بكونه العضو المنتدب(!) وطوال خمسة عشر عاما من تأسيسه كان يعمل قرابة الخمس عشرة ساعة يوميا وبدون مقابل(!) وفي هذه السنوات تضاعف رأس مال البنك عدة مرات ولم يمر عام ثمانية وثلاثون الا ووصل عدد الأفرع سبعة وثلاثون!!ه
أنشأ بنك مصر أول مطبعة مصرية ، شركة مصر للنقل البري ، مصر للنقل النهري ، مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبري ، مصرللملاحة البحرية ، مصر للصباغة ، مصر للمناجم والمحاجر ، مصر لتصنيع الزيوت ، مصر للمستحضرات الطبية ،مصر للأغذية والألبان ، مصر للكيماويات ، مصر للفنادق ، مصر للتأمين ، شركة بيع المصنوعات المصرية ، مصر للتمثيل والسينما (ستوديو مصر )، مصر للطيران
وكما استوعب البنك في شركاته أغلب العمالة المصرية بكافة مهاراتها فقد كافح البنك سياسات الانجليز باقراض الفلاحين المصريين ثم الحجز علي اراضيهم والاستيلاء عليها وذلك بدعم تأسيس شركات المقاولات المصرية وكذلك بتدعيم تأسيس البنك العقاري المصري فيما بعد لحفظ الثروة الزراعية


كل هذا كان في زمن لا يتجاوز العشرين عاما بأي حال ، ولا فارق بين تلك السنوات وهذه التي نحياها سوي في فصيلة الرجال وصنفهم ، تلك عمرت فيها البلاد وارتقت وفي هذه تدنت وهانت علي نفسها
الدعوة الي انشاء البنك واكبت كما لاحظتم احتدام العمل الوطني وانخراط المصريين في دعم سعد زغلول وزملائه وأحداث ثورة الف وتسعمائة وتسعة عشر ورغم ان طلعت حرب باشا كان من المناصرين لزعماء الثورة الا ان نظره الثاقب هداه الي الاهتمام بمشروعه وحلمه فأهميته لا تقل بحال عن مشروع سعد باشا السياسي ان لم يكن أحد أهم أدواته
وسار السياسي في دربه ، وسار الاقتصادي في طريقه ، وصار أثرهما دلالة عميقة علي ان العمل للناس غير موقوف علي منبر السياسي او كرسي رجل المال ولكنه مرهون فقط بالإخلاص والإرادة، حتي ولو من فوق محراث



Dec 7, 2009

الأســــود!ه



(إعادة نشر)

الأسود

..لونك الأثير

لا هو حزن
ولا يأس

بل هو سحر يتهدهد

ومشارق البهجة والحب والصفاء..ه
قد صارت في اللون الأسود
وما كان الليل الا صنائع تاجك
ومن مقلة عينك يتزود
إنسابت من شعرك خصلة

فانسالت في زمني ليلة
ما انفك العقل يداوي
في قلب مفتون مسهد
والأسود
كالسحر المؤصد
أطل من طابع حسن
علي زهرة خدك يتأود

*************

أيا قطب الحسن الأوحد


مطروح - 2006