في سن الخامسة كنت اتعجل مرور ايام الاسبوع ليأتي يوم الخميس فيعرض التليفزيون (فيلمين)عربيين في فترة الظهيرة هذا غير فيلم السهرة وفقرات اليوم المفتوح المتميزة!!ه
وبعد سنوات قليلة كنت اتعجل مرور اشهر الدراسة لتأتي شهور الاجازة واللعب والمصيف الخ الخ!!ه
وبعد سنوات قليلة اخري كنت اتعجل مرور السنين فادخل المرحلة الثانوية واتخلص من اي عقاب بالضرب علي اي خطأ قد افعله ،فقد لاحظت ان والدي يكتفي بلوم اخوي الاكبر مني ،كما لاحظت ان طلبة الثانوي يكلمون المدرسين كأنهم زملاء والمدرس -الذي قد (يفرد )نفسه علي وزملائي -يحرص علي عدم استفزاز احد منهم (وبيعدي يومه)!!ه
وحين كنت طالب ثانوي كنت اتطلع بفارغ الصبر لليوم الذي سأذهب فيه للجامعة ،لا حصص ولا جرس ولا غياب ولا (مبتذاكرشي ليه)ولا (والله ما انت نافع ولا كايد عدو ولا حبيب!!ه)
ولكن حين كنت امشي راضيا عما وصلت اليه متطلعا لما اتشوق اليه التفت ايضا الي اشياء كانت تزين ايامي الماضية ولم تعد موجودة ،ابي مثلا لم يعد معنا ،والاربعة اخوة الذين كانوا تحت سقف واحد في كل امور حياتهم صاروا اثنين وفارق اثنان لاكمال تعليمهم وحياتهم للابد،قلت هذا حال الدنيا وواصلت
وقدر ما صدمتني الجدية والمشقة في الجامعة -الكلية كانت غتيتة -قدر ما لطف وطأتها معرفتي بأناس (جدعان)ويكبر بهم المرء لا يصغر،وفي المحصلة فان غتاتة الكلية وتزاحم الافكار وحماسة الشباب اجبرني علي تعجل مرور سنوات الكلية لنخرج للحياة
وفي احدي الليالي كنت جالسا اتطلع للنجوم ومن حولي سكون الصحراء وصفاء الصحراء ورمال الصحراء،اخذت افكر في سنوات ربع قرن مضي، من كان حولي ومن ابتعد ولماذا ابتعد ومن اقترب ولماذا اقترب وماذا ربحت وماذا خسرت ،وبعد تفكير طويل وهادئ ايقنت انني كنت ارتكب حماقة كبري حين اضع نفسي دائما في وضع (المنتظر للمرحلة التالية)،(ان اتعامل مع ما هو حولي كأنه وضع مؤقت لن يدوم)،(ان اسعي دائما للحصول علي مفردات الوضع الذي اخترته لنفسي وهو الوضع الدائم)،(وان الاشخاص الذين يظهرون في الوضع المؤقت:هؤلاء اشخاص مؤقتين او صداقة قطار كما يقال )،(ان الزمن الذي يمضي في الوضع المؤقت :هذا زمن ضائع لا يحسب ودائما ما نتلهف ونسأل متي ينتهي؟)ه
اكتشفت انني كنت احمق كبير حين كنت اود في كل مرحلة ان انتظر المرحلة التالية ويصير ما انا فيه الان (ركوبة اتوبيس)تنقلني من مكان الي مكان لكن لا تحسب من زمن يومي
لذا فحين شكرت للصحراء فعلها وتركتها قافلا للحضر بقيت علي اصراري علي العمل والانجاز،وبقيت ايضا علي (انتظار) -لا تعجل - المرحلة التالية لكن وانا احيا ما انا فيه بمنتهي القوة،صرت(امتص )وجود من حولي واتعمق في نفوسهم، اقول معهم كل النكات واضحك معهم كل الضحكات ، زاد حناني عليهم (ولو كبروني سنا) وتفهمي لمواقفهم ودوافعهم
وحتي حين اودعهم فان قلبي غالبا ما سيمتلئ بالرضا عن مرحلة سبقت وسعادة واشتياق لمرحلة اتية