Dec 28, 2008

عن عام مضي علينا



إنه العام يجود بأخر أنفاسه ، ولم يكن لأدعه يمر دون ان أستوقف نفسي وأسألها :ه


ماذا فعلت بأنعم الله ؟


وبعيدا عن حسابات الربح والخسارة والقرب والبعد والدروس والمقاصد هناك شئ يخص المدونة أخذ كثيرا من مساحتها دون ان أوضح المقصد منه ولا ينبغي ابدا ان اترك العام يلم ذيوله دون ان اشرح المقصد حتي لو تبين لي في النهاية اني ما كنت أخاطب سوي الريح


في اكثر من دستة من التدوينات علي مر اكثر من اثني عشر شهرا قصدنا ان نشير الي التيارات السياسية الغالبة بحضورها علي الساحة السياسية المصرية في الوقت الراهن ، توضيحا باختصار غير مخل للأفكار التي ترتكز عليها تلك التيارات ؛ تاريخ نشأتها ؛ اسهاماتها علي الساحة السياسية وما لوحظ عليها من تقصير في أداء مهماتها بعين حاولت تقصي الحياد والموضوعية قدرما استطاعت


ولم يكن هذا فيما أري استعراضاً ساذجاً للمعلومات او حيرة في مساحة لا تجد ما يملأها من كلام او نحو ذلك ، لم يكن كل هذا الا احساساً عميقاً بالمسئولية ممن رأي بعينيه بشاعة الهاوية التي يتردي فيها أهله ومجتمعه فلم يملك الا ان يصرخ منبها جهد صوته


ولأني لا أريد هذا التدوين طويلاً خطابياً بقدر ما اتمناه كاشفاً فقد أوثر هنا ان انتقل الي مجموعة الحقائق التي ارتكزت عليها في كتابة مثل هذه التدوينات

أولها أن مصر ليس لها من دور او مكانة او منزلة في المجتمع العالمي دون

ان تمر علي طريق التنسيق مع اخوانها العرب وقيادتهم نحو دور عربي فاعل ، وذلك يظل صحيحا حتي لو تحدثنا بلغة المصالح لا الوازع الديني والتاريخي والأخلاقي والتراث المشترك و و و الخ

وثانيها ان نظام الحكم في مصر لم يعد ملائما للمجتمع المتنامي في مصر

ولا مواكبا للتطور الذي يفيض علي جنبات العالم

ولا حتي ملبيا للحد الأدني لأحتياجات قاطنيه لم يعد يناسب سوي حكامه فقط !!!ه


ثالثها ان نظام الحكم في مصر لا يبالي الا لما يسهم في ثبوته فوق الكرسي ولا يهتم بتنمية شعبه ولا احتياجات المستضعفين من الشعوب المجاورة ويعتبر مثل هذا كله من قبيل الرفاهية التي لا يري لها لزوم او فائدة ما انفكت الفائدة لا تعود اليه

رابعها أن نظام الحكم في مصر يستند بما لا يدع مجالا للشك الي المؤسستين الأمنية والعسكرية لا الي شرعية تنبع من ارادة شعبية وهو ما يفضي الي الاعتقاد الراسخ بأن الحكم العسكري القدري سوف يخيم علي مقدرات مصر لفترة طويلة تستهلك أجيال كثيرة ولن تكون رهنا برئيس واحد او اثنين
خامسها ان الحكم العسكري غالبا ما يكون مقترنا بضعف القوي المدنية في المجتمع من احزاب سياسية او قوي اجتماعية او تيارات فكرية او منتديات ثقافية الخ ، فيتقدم السلاح ليملأ الفراغ الذي يخلفه المجتمع بتنحيه عن العمل المدني وتنمية روحه ، فاذا ما كان الحكم العسكري غير امين فسيقصد الي المحافظة علي حالة التردي في العمل المدني حتي يصل الي القاع لأن هذا يعطيه نسائم الحياة والبقاء في سدة الحكم
سادسها أن الواقع المتردي الذي تعيشه مصر لا يعود في رأيي بشكل مباشر الي غياب الديموقراطية بقدر ما يعود الي غياب ( الوعي بأهمية الديموقراطية )وهذا للأسف له تفاصيل كامنة في شخصية كل منا لا تجعله يؤمن بالأليات التي يفرضها الأسلوب الديمقراطي لتداول الحكم

ومراقبة السلطات والفصل بينها وضمان المساواة والعدالة في الفرص والواجبات والضرب علي يد من يحاول الخروج عن النظام الخ

سابعها أن المعارضة من أقصي اليمين الي أقصي اليسار ونتيجة عوامل كثيرة أصيبت في صلب أولوياتها وأفكارها بنوع غير هين من التشوهات وهذا سبقه بالطبع غياب القيادات القادرة وشروع السلطة في اقامة الحواجز بين التيارات السياسية والشعب حاجزا تلو الأخر الي أن وصلت هذه الكيانات في الزمن الأخير الي حالة غريبة من العجز والتخبط والتشتت أصبحت


في معظم الأحيان مدعاة للعجب والشفقة ، بعدما أثارت الإحتقار في أحيان سابقة

ثامنها أن الذين قاموا بشحذ همتهم والتقدم بجرأة لأخذ خطوة علي طريق الألف ميل المقرر للإصلاح وجدوا أنفسهم أمام طوفان سلطوي عتيد وأزيحت كل إجتهاداتهم جانبا ووطئت بالأحذية بل وطوردوا هم ومعاونيهم وأدينوا في قضايا يعلو الغبار صحتها وللأسف لم يجدوا أي حماية او حتي صدي لأصواتهم التي بحت لدي الشعب الذي كانوا يدافعون عن حقه

تاسعها ان هناك من الأجيال جيل لن يصمت إزاء كل الهوان الذي يلاقيه وسوف يعبر عن إرادته الحرة في وجه أعتي العتاة دون اي شائبة خوف أو وجل ، سوف تكون أرواحهم نقية لم تلوثها المحسوبية والرشوة ولم يدنسها التقاتل علي دنيا حقيرة ومعيشة هي لمعيشة البهائم أقرب


جيل سوف يتيقن من إنسانيته ومن حقه في فتح طاقة ليفيض بنوره علي مشارف الأرض ويقيم ميزان العدل ، ميزان الله الواحد الأحد ، وهذا الجيل للأسف لن يملك الا ان ينظر للأجيال التي سبقته بكل إحتقار كنظرتنا نحن لمن خضع قبلا من اهلينا للمماليك والعثمانيين وسوف ينظر بكل إكبار لأجيال طعمته بالكرامة والرقي وحب الحق والخير والجمال كنظرتنا نحن للذين طردوا الفرنسيين و الإنجليز والصهيونيين من بعدهم

وأقول بأني أحب أن ينظر اليّ ابني بإكبار لا بإحتقار ، يكبر فيبرني بدلا من ان يعقني وعيناه مليئة باتهام صامت لي وأترابي بأني قد سلمتهم راية مدنسة ، لا منكسة

عاشرها أنني لا أجد مانعا بأن نكون نحن من يطعم أبنائنا قيم الحق والخير والجمال ما دمنا قد تلوثنا بالوساطة والمحسوبية والفساد ، وعلي هذا فإنني أشدد بقوة علي النصيحة التالية:ه
تجمـــعـــــوا
إن الذئب يأكل من الغنم القاصية لذا فإذا انتويت الحركة فلا تتحرك وحدك ، حدد أفكارك ومرجعياتك وأذهب الي من تشعر انهم يوافقونك عليها
إن يمين ليبرالي فيمين
وإن يسار إشتراكي فيسار
إجلس معهم أفضي اليهم بما في عقلك وأصحب معك كل من أستطعت
فكر مع كل من حولك في الحزب ، في النادي ، في الجمعية ، في المنتدي ، في الشارع ، في الكلية ، في المدرسة ، في المكاتب
في كل مكان ، فكر كيف تسقي القيم لمن حولك وتعمم الهم فلا تجد له أثرا وتؤصل قيم العمل الجماعي وقبول الأخر واحترام حقه
فكر في استثمار التنوع لا إخفائه كأنه ذنب
أدخلوا الي هذه التيارات فاغسلوها مما علق بها وأعملوا علي إقامة حياة سياسية صحية سليمة يعبر فوقها أبنائنا الي مستقبلهم ، ولا تتركوهم للطوفان
***************************
ملحوظة
ألا تستحق منا مصر - ومن بعدها فلسطين الذبيحة - أن يفرد كل منا لديه تدوين في وقتنا هذا يناقش فيه ما يستوجب علينا فعله بكل شفافية ويحض زواره علي هذا أيضا لتتسع الدائرة

Dec 10, 2008

في قطار الليل


وماذا عن القطار؟

سؤال لم يدر في بالي منذ زمن ، في تنقلي بين القاهرة و( البلد ) بانتظام -والمستمر منذ قرابة الثماني سنوات بنجاح ساحق - لم ألجأ لاستقلال السيارات الأجرة الا منذ ما يزيد عن العام حين تدهور الأداء في السكك الحديدية بما لا يقاس وبما أجبرني علي ترك القطار لعربات الأجرة او البولمان

في ذلك اليوم مررت بميدان عديم الإسم الأن - رمسيس سابقا - وكدت ان أمر بمحطة مصر لا مباليا ككل مرة الا ان هناك الكثير والكثير جدا دفعني لأن أذهب لحجز تذكرة في القطار وأبدأ الطقوس المحببة لي في كل سفرة:ه

التلكؤ في السير اثناء عبور صحن المحطة ، تأمل القادمين الي العاصمة والمغادرين لأرضها ، مراقبة الحمالين والمحصلين و أفراد الأمن ، المرور علي كل كشك للصحف واستعراض كافة العناوين والمفاضلة بين الصحف في محاولة لتخير إحداهن لتتحمل بمحتوياتها الساعات الثلاث التي سوف تكون تحت رحمتي خلالها ، العبور الي رصيف الصعيد ( رصيف رقم 11بالذات) وتأمل ابناء الجنوب المنتظرين لقطارهم ، شراء كوب من الشاي ( لست من هواته لكن تقاليد السفر تقتضي ذلك !!)ه ، الخ الخ


انا اليوم قد جئت طائعا مختارا متحملا لكافة النتائج التي قد تحدث نتيجة قراري بنفس راضية وضمير مستريح


تسألون عن هذا الذي قد يحدث ومدي سوءه؟


الموضة الأن في محطة مصر هي ضعف احتمالية وجود ( جرار ) للقطارات صالح للقيام بها ، وللأسف لن تعرف هذا من عدمه الا بعد ان ينقضي ميعاد القيام بنصف ساعة مثلا وانت جالس في قطار مصاب بالتصلب فتضطر للسؤال ، ويكفي لتعرفوا تبعات هذا القرار ان أخبركم ان أخر مرة جئت لأركب فيها القطار ابتعت التذكرة في الرابعة مساءا ووصلت المنزل في الثانية بعد منتصف الليل!!ه


لكني اليوم في حالة نفسية جميلة جعلتني انسي كل الإساءات وأصر علي مقابلة صديق قديم


لا اعرف كيف أوصل اليكم الفكرة لكن القطار يشغل جزءا كبيرا جدا من تكويني منذ الصغر ، حملت ودا كبيرا لعرباته وجراراته ومقاعده ، مصابيحه في بعض الأحيان محطمة لكن ابدا لم أكرهه ، زجاجه لم يكن يغيب الا في الشتاء ولكني ابدا لم أفقد الثقة فيه ، نشأت وبيني وبينه معرفة عميقة جدا ، وأخذت العلاقة منحي جد مختلف حين بدأت سنوات الدراسة بالجامعة ، كان موجودا دوما في صورة حسنة وجاهز يوميا لحملي للعاصمة

كان دوما هناك ، حين كنت أدخل القاهرة لأول مرة طالبا في الجامعة كان هناك في محطة مصر مثل الأب الذي يمد يده ليدفع بابنه في البحر ليتعلم السباحة وهو يرسم علي شفتيه ابتسامة مشجعة دارت ورائها كثيرا من الحنان ، وحين كنت ضيق الصدر بما كنت الاقيه في الكلية من عنت كان ايضا هناك يهدئ من روعي بانتظام سيره ونعومة حركته وهدوء إضائته ، وحينما كان كل الناس يقضون اعيادهم او يلتفون حول التلفاز مستعينين بالدفء العائلي علي برد الشتاء او يخرجون الي الحدائق ليتنسموا الهواء هروبا من الحر الخانق كان هو يحملني علي كفله عالما اني لم أدع مثل هذا كله الا لامتحان مريع فيبالغ في جريه وهو يحملني وتتقافز عرباته فوق القضبان بما ينتزعني من علي مقعدي وينتزع الضحكات من قلبي رغما عني

اتخذت مقعدا مناسبا وظللت لساعة كاملة أقلب الجريدة بين يدي دون ان أري كلمة واحدة علي صفحاتها ، دارفي عقلي شريط سينمائي تتلاحق مشاهده تحكي عن الثماني سنوات الماضية بسرعة البرق

بين جنبات القطار تجمعت وأقراني نتعرف من بعضنا علي ما ينتظرنا في هذا البحر الهائج متلاطم الأمواج المسمي
بالعاصمة


وبين جنباته فاض الحنان والسعادة من قلوبنا ونحن نلمح الناس علي الجنبين تعلق الزينة حين أقرت دار الإفتاء ليلتها
بقدوم شهر رمضان

وبين جنباته أيضا لجأت الي ( معاكسة ) احدي الجميلات - رغم انه ليس من طباعي - فقط لفك توتر كان يحيق بنا بسبب
امتحان بعدها

وبين جنباته ولد حلم حاولت ان اسهر عليه بالرعاية واعطيه من روحي لكنه تمسك اكثر بطبيعته كحلم قد يراود بين الفينة والأخري لكني تيقنت أنه
لن يتعدي كونه حلما

وبين جنباته كتبت قصيدة ( .........
في ربع الساعة حين جلست أمامي تلك الجميلة وكاد
الفضول ان يقتلها فقط
لتعلم ماذا اكتب!!ه


وبين جنباته تبادل الركاب التهاني بالعيد بعد ان استمعوا الي الخبر في الإذاعة وترامت الي مسامعي كلمة جميلة هي ( كل سنة وانت طيب ) كنت أعرف انها تداري خلفها
ما هو أكثر


أحلام تلو أحلام وكلما أنال حلما كنت أعود اليه منتشيا سعيدا لأشركه معي في نجاحي ، وكلما كنت أقبض علي خيبة الأمل أجده في انتظاري فيحتويني داخله ويستمع الي بكل تمعن
ثم يبدأ فاصلا لتسليتي

*****************************

والأن فان الأب قد نال منه المرض ، لم يعد ليقدر ان يرفع يده يدفع بها ابنه فوق الأمواج

لم يعد ليقدر ان يرسم حتي ابتسامة مغتصبة علي وجهه

لم يعد يقوي حتي علي فتح عينيه

****************************
وأنا لا أدري ماذا أفعل ، كل ما أستطيعه هو استرجاع الأطياف والمشاعر والكلمات
لعل وعسي

Nov 24, 2008

عمارة يعقوبيان ..تدوين متأخر !!ه



هذا تدوين قد تأخر بالفعل اكثر من عامين اي من قبل ان تولد المدونة نفسها ولكني اعتقد ان هناك من الأسباب الكثير مما يستحق من أجله هذا الفيلم ان يظفر بتدوين علي مدونتنا المتواضعة ، قد يكون هذا للزخم والجدل الشديدين اللذين اثارتهما الرواية نفسها- وهي النص الأدبي للفيلم
او مثلا للمعالجة السينمائية المقتدرة للخبير وحيد حامد او للسحر الذي يشع من منطقة وسط البلد وكذا الغموض المثير الذي يلف أرجائها او لأنه من الصعب ان تكون هناك مدونة باسم ( وسط البلد ) ولا تدون عن فيلم ( عمارة يعقوبيان )!!ه ،قد يكون لأحد هذه الأسباب او كلها او غيرها لكن التدوين اليوم عن النص السينمائي ل( عمارة يعقوبيان)ه
تعريف بالأصل الأدبي
الأصل الأدبي للفيلم هو رواية للأديب وطبيب الأسنان علاء الأسواني ،وبالطبع انا في حل من اعادة كل ما حفلت به المجلات والمواقع عنه ابان وبعد عرض الفيلم ، اود فقط في هذه السطور ان ابرز ملامح كتابة الأسواني التي انطبعت علي الفيلم ومضمونه ، الأسواني في كتابته يعشق التفاصيل ولا يتركك دون ان يوصل لك المشهد وخلفيته وما يكتنفه من مشاعر دون ادني مشقة عليه او علي القارئ ولذا عليك ان تنتبه للمجهود البالغ الذي بذله السيناريست وحيد حامد في تضمين المشاهد لهذه التفاصيل ، كما ان ابرز ملامح المضمون الأخلاقي عند الأسواني هو ( حنانه ) غير الغريب علي شخصياته واصراره الدائم علي ان ابعاد الشخصية ليست احادية ولن يفيد ابدا تصنيفها الي شخصية خيّرة و اخري شريرة والحرص الدائم علي تأمل الظروف التي احاطت بالفعل وأفضت اليه قبل الحكم علي الفعل نفسه وجلد فاعله ، وللعجب ففي الوقت الذي كان فيه كل الكتّاب والمثقفين يتهافتون علي ادانة سلوك الجماعات الأسلامية وظروف نشأتها كان النص الأدبي ل( عمارة يعقوبيان ) يعيد طرح المسألة طرحا مغايرا شجاعا سبح لسنين عديدة ضد التيار قبل ان ينتبه الناس اليه

النص السينمائي

في برنامج ( ستوديو مصر ) وقبل عرض الفيلم بأشهر صرح السيناريست القدير وحيد حامد انه تجاوز عن مبدأه في عدم قبوله لكتابة سيناريو لقصص اخرين لمرتين اثنين : المرة الأولي كانت في قصة احسان عبد القدوس ( الراقصة والسياسي ) والمرة الثانية كانت لرواية علاء الأسواني (عمارة يعقوبيان) وفسر هذا بخوفه علي الرواية من اي سيناريست غير محترف من ان ( يحطم اسنانها ) بنص كلامه ، كان وحيد حامد علي قدر المسئولية بشكل كبير وظهر السيناريو مزودا بلمسات حرفية عالية تفوقت وسمحت لنفسها ان تضيف وتحذف من النص الأصلي دون ان يختل المضمون الأدبي او الشكل السينمائي ، وبالطبع غني عن الذكر ان نقول ان ما جعل السيناريو يظهر بهذه الدرجة ان وحيد حامد كان يكتب الفيلم وهو يعلم ان مخرجه هو ابنه مروان في عمله السينمائي الأول الذي سيظهر به علي الناس ولذا فقد كان النص السينمائي المكتوب الخاص بالمخرج كان مليئا بتفصيلات وتعليمات وملاحظات وتوجيهات - ونشرت جريدة الدستور مقتطفات من هذه النسخة - افادت بالفعل المخرج الشاب في اظهار عمله بمثل هذه الصورة البديعة
اعتمد وحيد حامد في النص السينمائي علي البدء باتخاذ ( عمارة يعقوبيان ) كمبتدأ ومظلة يجمع تحتها كل الأبطال ثم أثر ان يسير مع كل بطل علي حدة في شكل دورات تبدأ بحكاية ( زكي الدسوقي ) ثم ( محمد عزام ) ثم ( طه الشاذلي ) وهكذا الي ان تعود الدائرة لتبدأ من جديد
وان كانت هنا نقطة ضعف واضحة في السيناريو وهو ان المكان الذي سمي العمل باسمه ويستظل به اغلب الأبطال لم يظهر سوي مرات قليلة جدا خلال السيناريو ابرزها مقولة ( زكي الدسوقي) امامها وهو ثمل ( انا اقدم واحد في العمارة دي ، اقدم واحد انا ، قضيت فيها احلي ايام عمري )وسوي ذلك كان الوجود شاحبا لمجتمع العمارة كله خلال السيناريو ، وهو ليس تعصبا فبمقارنة بسيطة مع اعمال مثل افلام اعتمدت علي اسم مكان مثل (بين القصرين ) او ( زقاق المدق) او حتي (بنات وسط البلد )سنري ان المكان دوما ما يكون حاضرا متداخلا مع الأحداث وهو ما توقعناه في ( عمارة يعقوبيان ) حتي عن طريق استبدال المونتاج بالقطع بالأنتقال الناعم من شخصية الي شخصية وليس لدقيقة واحدة فقط في بداية الفيلم في العرض الذي بدأ ب( زكي الدسوقي ) يخرج من العمارة التي يسكنها في ممر بهلر مرورا ب(محمد عزام ) وانتهاءا ب( حاتم رشيد ) الصحفي بجريدة لو كير ، هذا كان اسلوبا ناجحا جدا وينم دوما عن حرفية في التنفيذ لكنه للأسف لم يستمر
المنظومة السينمائية ( عمارة يعقوبيان )ه
كان من ضمن الأسباب التي حمدت لها تأخري في التدوين عن الفيلم هو أخذ فرصة للفكاك من بريقه لدي عرضه وفرضه من قبل الشركة المنتجة ليكون ملء السمع والبصر لتحقق اعلي عائد ممكن من ورائه وتكسب أرضية - وهذا كان اول عمل سينمائي تنتجه - بشكل مباشر تدخلها مباشرة في مضمار المنافسة ، اخذت في الأنتظار حتي هدأت الرياح وتتابعت الأعمال ثم واصلت تأمل الفيلم بمنتهي الدقة ولا اقول الترصد ، والحق انني كنت اترقب عرضه قبلها بعام - وللعلم فهو كان جاهزا في علبه قبل العرض بعام فعلا - وحين بدأت ماكينة العرض كنت هناك ثم بعدها كان العبء قد انتقل الي الكومبيوتر الشخصي ، لاحظت ان الفيلم قد أتي في أزمة واضحة جدا للسينما وهي فيضان الأنتاج وعدم وجود الورق الجيد وكذلك سيل الأفلام التجارية الذي يمطرنا به غير الموهوبين ومن بين هذا كله كان العرض
اعتمد المخرج مروان حامد في الأخراج علي الواقعية وتحميل معاني كثيرة جدا علي عناصر الفيلم المختلفة من تصوير وإضاءة وصوت وملابس وديكور ومونتاج وبالطبع الموسيقي ولم يكتف بالأداء غير الطبيعي من الممثلين فقط وبالتالي صار علينا ان ننتبه الي ان الفيلم لهو مما يعادل خمسة او ستة أفلام مما نري ونتابع كل يوم ، فالموسيقي فيلم والديكور فيلم والمونتاج فيلم والإضاءة فيلم وكانت المهمة الشاقة علي المخرج ان يقسم الأدوار فيما بين هذه العناصر
والا سيلتهم ايها الأخر ، وفي بعض الأحيان للأسف لم يفطن البعض الا لما تحمله وجوه الممثلين من تعبيرات وما اطلقته السنتهم من جمل دون تأمل لباقي عناصر الفيلم

حاول مروان حامد ان يوظف كل العناصر لخدمة رسالة الرواية وتلخيصها بل وتلخيص صفحات كثيرة سودها الأسواني في لمحة عابرة تمر في المشهد من مثل تبليغ رسالة في البداية ان ( زكي الدسوقي - عادل امام ) جالس في بار يقل كثيرا عن مستواه من خلال الإنتقال بالكاميرا من حذاء المتسول المتأكل الي حذاء ( زكي بك ) الإيطالي الفاخر او مثلا التدليل علي وضاعة اخلاقيات المكان بمشهد محاسبة احد النوادل لزبون ثمل ومحاولة تحميله ثمن ما لم يشربه مستغلا سكره وهو ما يذكر ( زكي ) بحالته حين استغلت النادلة سكره في هواها ونجحت في سرقته
كانت هناك لمحة أخري لخصت فيها الصورة كلاما كثيرا كتبه الأسواني وذلك في مشهد يصور نهاية لقاء زوجي بين ( محمد عزام - نور الشريف ) وبين زوجته الجديدة يبدأ بنهوضه هو مكتفيا بالسعال بينما تقوم هي من ورائه مشيعة اياه بنظرة اشمئزاز من ضعفه وقلة حيلته علي الرغم من انها قبل دقائق كانت تستعطف رجولته كي نكنفي بذاك القدر، بل ويصل الإبداع لمنتهاه حين يأتي مشهد اغتسالها تحت المياه ثم تقبض علي ( لوفة ) وتهم بحك جسدها ثم تذكرها اللوفة بملمس جلد زوجها الخشن المقزز فتتدافع دموع المرارة من عينيها ولا تملك الا ان تطوي صدرها علي وجعها
يمكننا ان نتحدث عن الأطياف التي شكلت هذا العمل السينمائي ولكني فضلت ان ألجأ لعرض كل خط خاص بشخصية كل علي حدة مع الإشارة لما تضمنه من رقائق وجماليات
خط ( طه الشاذلي )ه
طه الشاب ابن البواب الذي يحلم بالالتحاق بكلية الشرطة ويصطدم حلمه بصخرة الوساطة المتفشية و المتحكمة في أمور الوطن لكي ينكمش علي نفسه المنكسرة ويأتنس بجماعة اسلامية يعتقد بعونها علي نيل الأخرة طالما انه فشل في نيل ما يطمح اليه في الدنيا ، أدي الدور محمد إمام في دور اول يحسب له ، والخط الخاص به مر بنقاط ابداعية عديدة من مثل مشهد المظاهرة الذي بدأ بكل رقة ليصور بزوغ الفجر
والطيور التي طارت تبحث عن رزقها ثم الإنتقال بنعومة لإظهار سيارات الأمن المركزي
وهي تزحف جهة الجامعة الشامخة في وداعة ، وتظل الوتيرة تتصاعد الي ان ينتهي المشهد باعتقال
طه وبالطبع كان كل هذا علي خلفية موسيقية مواكبة للحدث والقتال والمطاردة بمنتهي الحساسية ، ولا
ننسي مشهد التعذيب الذي كان مكللا كله بإضاءة قصدت إظلام المحيط وصبغه بالسواد للدلالة علي
الجرم المرتكب بعيدا عن نور الحرية والشرعية والمحاسبة ، وايضا لننتبه جيدا الي السيارة التي اوصلت طه والشيخ الي المعسكر انها لخصت ما كتبه الأسواني عن انها سيارة من سيارات مصانع الأسمنت في حلوان ، والمونتاج الذي قصد ابراز مواصلة العلاقة الزوجية لطه بشكل مستمر دلالة علي ما منحه هؤلاء من اشياء حرم منها ايان كان سويا ، بل امتد الإبداع في اللقطة الي تصوير الزوجة وهي تحاول استبقاء زوجها معها رغم استماعها لإستدعاء الأمير وهي دلالة صريحة علي النزعة البشرية في البعد عن العنف لصالح البقاء والحياة والتزاوج والإعمار ،واختتم الخط الخاص بطه بمشهد انتقامه ممن عذبوه وقد بدأ القتال ومع بدايته أصر المخرج علي تصوير مصرع السائق لسيارة الضابط في إشارة للضحية الحقيقية للصراع بين الجماعات والحكومة كما ان مصرع الكل عدا أحد أفراد الجماعة وأحد افراد الحراسة دلالة اخري علي ان المواجهة لا تزال مستمرة!!ه
خط ( زكي الدسوقي )ه
زكي العجوز الستيني الذي يعاني من ضعف انساني شديد تجاه النساء وفي
مرحلة لاحقة تمتد المعاناة الي السلوك العدواني غير المفهوم من شقيقته دولت
والتي تقوم بطرده من الشقة ومخاصمته امام القضاء ، ادي الشخصية بالطبع
الفنان عادل امام ولابد ان نذكر انه من الأعمال القليلة التي التزم فيها عادل امام
بالسيناريو دون اللجوء الي لزماته التي لا تفارقه عدا في مشهد وحيد حين صادف ( حاتم رشيد ) ومعه صديقه عبد ربه امام الأسانسير في العمارة ،
كان خط زكي الدسوقي خطا رئيسيا في الرواية قبل ان تكون كذلك في الفيلم الذي بدأ وانتهي بها ، زكي علي الرغم من ضعفه امام نزواته بما قضي علي سعادته في تزوج من يحب الي انه شخصية مسالمة جدا جدا فهو لا يملك الجرأة التي تمكنه من إيذاء البشر - ولو حتي باللفظ - بدم بارد مثل الكثيرين حتي حين اختصمته اخته لم يستطع الرد عليه رغم جورها البين بل وامتدت طيبته وعدم قدرته علي الإيذاء الي ان يتزوج من بثينة السيد كي يرأب الصدع التي تركته اخته في نفسها، تقاطرت لحظات الإبداع في الخط الخاص بزكي الي حد فائق ، انظر مثلا الي مشهد البداية في الحانة الرخيصة وانظر الي مشهد الرقصة مع بثينة حين استعان المؤلف ومن بعده المخرج بصوت ( إديث بياف ) الدافئ لتتدفق المشاعر بينهما رقراقة شفافة بما يسمح لها ان تقول له انهما لابد ان يبقيا اصحاب ، وكان بالطبع الحوار هو البطل سواء في مشهد المكاشفة مع يسرا والذي اختتم بمونولوج بديع مع القاء رائع لحقته موسيقي بديعة تصور زكي يناجي ربه طالبا العفو والمغفرة ومعها كانت الإضاءة تركز علي وجه زكي كأنه في يوم المناجاة بالفعل او حتي في مشهد سيره سكرانا في الشارع بمساندة من بثينة ليلقي المونولوج القاتل عن ( البلد اللي باظت والمحلات اللي خربت والعمارات اللي بقت مزابل من فوق ومن تحت مسخ) وكان مشهد النهاية بالطبع من الابداع بما لا يسمح لي بالحديث عنه
خط ( محمد عزام )ه
الحاج عزام التاجر العجوز الذي تنضح ذكورته فيشتهي الزواج ويشتهي السلطة والحصانة يحمي بهم امواله يتزوج من ارملة سكندرية ويقابل كمال الفولي السياسي المخضرم الذي يوزع دوائر عضوية مجلس الشعب علي من يدفع ثمنها ثم يبدأ في طلب المزيد من عزام الذي يتخيل ان بوسعه ان يرفض!!ه ، ادي الدور نور الشريف وكان خطا غير قليل ابدا في العمل السينمائي ومر بلحظات فنية عالية كان الرئيسي فيها مشاهده المشتركة مع خالد صالح الذي نجح في اجتذاب الكاميرا ومن قبلها انتباه المشاهد واحترامه

فحين بدأ الحوار في مكتب الفولي كان بعد ان التهم الفولي قطعة حلوي بشهية سليمة وهو ما سيظل ملازما له طوال مشاهده في الفيلم بما يعطينا جرسا ينبهنا الي المغزي من تجمع كل شئ في ( كرشه )!!ه ، وكان الحوار هو البطل في مشهد الحفل الذي اقامه عزام لافتتاح التوكيل فقد اجتذبه الفولي الي منطقة بضاءة شبه مظلمة ومحاطة بالأستار( بما يدلنا علي ما يحدث في الكواليس خلف هذه الحفلات ) واخذ يعاتبه علي تأخره في دفع ربع الأرباح
ويبدأ الحوار يأخذ شكله البديع - مشفوعا بالقاء خالد صالح الحرفي - حين يبدأ الفولي يقول( طيب دا انت في كل حتة في راسك بطحة ، اقولك كده علي خربوش صغير : انت عملت ايه في التجنيد؟!) ويتواصل الحوار الي ان ينتهي والفولي يكبش من طبق الفاكهة امامه بما لا يخيب ظننا ابدا!!ه
وبالطبع لا ننسي الكلمة التي ختمت هذا الخط حين قال عزام للفولي انهم الان شركاء في كل شئ وهو بالطبع بهذا يأخذ منه تصريح لمواصلة نشاطه بالاتجار في المخدرات
كانت من خصائص عزام ايضا التدين المظهري الذي انتشر مثل النار في الهشيم فعلي الرغم من مصادقته للشيخ السمان بالجمعية الشرعية وتمسكه بلقب الحاج والسبحة واللحية واعمال الخير الا انه لا يتورع عن تدخين الحشيش في خلوة مع ابنه او زوجته او مطالبتها بالاجهاض بل واجهاضها بالقوة رغما عنها وانكار حقوقها لديه ولا ينسي ان يرسل ابنه لها ليذكرها ان الحاج لا يخالف شرع الله!!!ه
خط ( بثينه السيد )ه
الشابة الفقيرة التي ورثت ديون ابيها وحمل اخوتها وتحاول ان تتمسك بفكرتها عن البنت التي تحفظ نفسها ولكن تجد المفاهيم قد اختلفت كثيرا
عند من حولها دون حتي استثناء لوالدتها ، هي تعيش قصة ألفة مع طه الشاذلي منذ ان نشأ سويا علي السطح لكن سرعان ما تأتي الحياة لتطيح بالعلاقة كالمعتاد الي ان تذهب للعمل لدي زكي الدسوقي ، قامت الممثلة هند صبري بالدور علي خير ما ينبغي ، وصار الخط الخاص ببثينة موئلا للألم مرات وللرقة مرات وللسعادة مرات ، انظر الي مشهد لقائها مع طلال صاحب المحل في مخزن الملابس لكي تختتمه وانت ممتلئ بالشفقة علي هذا العصفور وهو يبكي مما ألم به ، وايضا الي مشهد جدالها العنيف مع طه في اخر لقاء بينهما حين جعلها السيناريست تتحدث باسم مصر كلها وهي تتحدث عن فراق ابدي بينهما فهو ( داخل علي سكة مشيخة ) وهي ( تلبس قصير ومبسوطة كده)!!ه
ام ننظر الي المشهد الرقيق حين افرغت ما في صدرها امام زكي الدسوقي من الضيق الذي تحياه ثم انتقل الحال الي اجواء ملائكية بصوت اديث بياف المخملي

خط ( حاتم رشيد )ه
والأن نختتم هذه الرحلة الطويلة بصاحب الماستر سين ، اجمل المشاهد في الفيلم جمعاء من وجهة نظري كانت محملة علي خط حاتم رشيد الصحفي ومدير جريدة لو كير الصادرة بالفرنسية في القاهرة والذي يعيش وحده في شقة بعمارة يعقوبيان ويسلك سلوكا شاذا في حياته الجنسية ، أدي الدور الفنان خالد الصاوي بمنتهي منتهي الحرفية والتمكن بما اذهلني انا شخصيا من صعوبة الدور ودقة الملامح التي ترسمه ، كان الابداع قد بدأ يتقاطر منذ مشهد بداية الظهور في الصحيفة حين لخص المشهد صفحات عديدة سودها الأسواني في وصف كفاءة حاتم وحزمه الشديد وتصديه بكل حده لاي محاولة من المحيطين به للاساءة اليه عبر ذكر موضوع يتماس مع ميوله الشاذة ، كذلك لخص المشهد نشأته التي تجذرت فيها الثقافة الفرنسية والا لما كان علي القنصل الفرنسي محادثته بألفة عالية ، المشهد الثاني الذي حفل بالابداع في السيناريو والحوار والاخراج كان مشهد التقرب الي مجند الأمن عبد ربه فقد بدأ بهيئة تشبه الأقتناص والصيد ثم اختراع مناسبة للكلام ثم محاولة مد حبال الحديث وانتهاءا بترك انطباع جيد لدي المتلقي يسمح بيسر المهمة في المرة التالية !!ه
المشهد التالي كان مشهد المستشفي لدي مرض ابن عبد ربه فقد بدأ المشهد بالطبيب وحاتم يسيران متواجهين في طرقة المستشفي وبينهما عبد ربه وزوجته كمثال واضح للسبب - حاتم - والنتيجة التي سيلقيها عليه الطبيب بوفاة الولد
المشهد التالي كان لدي علم حاتم بمغادرة عبد ربه فاذا به يصعد مباشرة الي حجرة الأخير ، الأضاءة كانت تقسم الحجرة الي منطقتين واحدة مضيئة واخري مظلمة وحاتم يروح بينهم ويجئ كأنهم يشيرون الي انه الان علي اعتاب مفترق طرق اما ان يكمل في الظلام او ان يعود
يخرج من الحجرة وتلعب الإضاءة لعبتها حين يقصد المخرج تصوير مصباحين او ثلاثة علوية يسير حاتم تحتها ملاحقا بنظرات جيرانه ولعناتهم كأنه بهذه الإضاءة عاريا مكشوفا بخطيئته امام اعينهم ثم يفضي هذا كله الي مشهد دخوله شقته بكادر مقسوم نصفين احدهما مظلم والاخر مضئ وهو يدخل من بينهما من الباب لكنه وللأسف يتجه للجانب المظلم - بما يدل علي اختياره -ليجلب زجاجة الخمر وكأسا - وقد كان ابراز الخمر دوما في بداية كل مشهد سيفضي الي مصيبة - ويدخل الحجرة ليؤدي واحدا من اعظم مشاهد السينما المصرية في رأيي علي مستوي المونتاج والكلام والاخراج وبالطبع الأداء

Nov 6, 2008

النـــّصبـــَة... لوحة من الواقع !!ه


وماذا علي ان افعل الأن؟

محمد أمامه علي الأقل نصف الساعة الي أن يصل ، يقول أن كوبري أكتوبر (مطرشم) ولن يستطيع أن يأتي في الموعد ونصحني أن أنتظره علي مقهي قريب في نفس الشارع الذي علي ناصيته كان اللقاء دون ان أبتعد لأنه لا يستطيع ان (يركن )في انتظاري فرجال المرور ( شادين حيلهم)!!ه

وبالرغم من ان محل عملي يقع في نفس الشارع الا انه من الصعب علي ان أعود اليه او حتي ان الجأ الي الجلوس علي مقهي لذا وبعد هنيهة من التفكير أثرت أن الجأ الي هوايتي الأثيرة في مراقبة الغادين والرائحين خصوصا وانني لم أسمح لهوايتي هذه ان تتفلت ابدا منذ ان بدأت التردد علي هذا الشارع

وبطبيعة الحال كنت اعرف ان الشارع جزء من حي راقي تسكنه الطبقة الميسورة وتتزاحم سياراتها الفخمة في شوارعه ، وعلي هذه الناصية بالذات كان هناك تجمع من (الفواعلية) وهم مجموعة من العمال - صعايدة في معظم الأحيان - الذين تباطأ المال عن ان يصل الي قراهم البعيدة فصعدوا هم الي العاصمة لإستقائه ، يتجمعون كل صباح علي ناصية اي شارع وكل منهم قد لمّ أدواته - من شاكوش وأشكال متعددة من الأجَـنَـة - في رباط مطاطي أسود سميك ووضعها منتصبة علي حافة الرصيف دلالة إعلان وعلامة قوة الأداء في الوقت ذاته!ه

بدأت في التمشية ببطء علي الرصيف ظاناً ان السيارات الفخمة وأحوال اصحابها خلف نوافذها سوف يستأثران بإهتمامي الي اني سرعان ما تحول انتباهي الي العمال الجالسين في الجزيرة الوسطي القابعين في شبه وداعة لا تمت بصلة ابداً لما اعرفه عن تكأكئهم علي اي صاحب محل او مستأجر شقة يأتي ليستأجر عافيتهم في هدم جدار او رفع الرمال او الأسمنت وكل منهم يقنعه انه هو الأصلح لمثل هذه المهمة أو أنه أرخص في ( يوميته) وهكذا

وأين هذا الصعيدي الذي يستطيع ان يحيا دون اكواب الشاي الثقيل؟

غني عن البيان بالطبع ان اقول ان مثل هذا التجمع قد رزق بفردين او ثلاثة يتكسبون من وراء (نَـصـبَـة)شاي ينصبها كل منهم في ابسط الصور من موقد كيروسين - او غاز ايهما اوفر- وحيد العين وقفص فاكهة مقلوب عليه لوح خشبي متوسط وضع فوقه مرطبان شاي عملاق واخر اكبر منه للسكر ورصت الأكواب بجوارهما تشتمل كل منها علي ( التلقيمة ) ولا تنتظر الا الماء المغلي ومن قبلها طالب الكوب أصلاً

ضاقت مسافة تمشيتي المتمهلة وقاربت ان تكون المسافة حول ( النصبة )، لاحظت ان الجالس أمامها نظر لي نظرة عابرة وأشاح بوجهه متماً نظرته الأستكشافية ،هو يقول طبعاً ان هذا ( الأفندي )ليس من عملائه المستهدفين في الأساس!!لكنه فوجئ بي أجلس علي حافة الرصيف بجواره وكذب أذنيه حين قلت له ( واحد شاي)!!!ه

لاحظت أنه تجاوز الموقف بشجاعة وبدأ في صب الماء في حذر وبدأ يتلفت حوله ليبحث عن من يجلب ماءاً مثلجاً إثر طلبي ولكني أكتفيت بالماء من ( الجركن )بجواره ، حاولت أن أحتضن كوب الشاي الساخن وأتجاهل نظراته المستغربة التي تأكدت من أنه يسددها لي وحاولت أن أنشغل بمراقبة المارة حتي يصل،،،،،ه

تعرف كلية التربية؟-

قطع السؤال أفكاري وتصورته من صاحب ( النصبة )ولكن حين التفت وجدت رجلا جنوبي الملامح أسمر ذا شارب لا بأس بحجمه يرتدي جلباباً رمادياً حال لونه وقد أمتلأت عيناه بلهفة غريبة تضارع غرابة السؤال

جامعة أيه؟-

تسللت الي عينيه بعض الحيرة وهو يرد بلهجة جنوبية

ماخبرش ،هي تفرج عاد ، كوباية شاي يا ابو شيماء الله يرضي عليك-

بالطبع كان هذا سؤاله الغريب الثاني فإن كان يجهل بأمور الجامعات فما الباعث أصلاً لسؤاله ولهفته؟!!ه

( أستأذن في عدم قدرتي علي متابعة نقل الحوار بلهجته الجنوبية وان كنت أجتهد لمقاربة الألفاظ بالمعاني)

قررت مهادنته فقلت له ماذا تريد من هناك؟

أخذ رشفة من كوبه - أسود اللون - ثم تسلل الي عينيه تعبير لم أستطع التعرف عليه وهو يقول:ه

لا أريد شيئا ، رأيتك أفندياً نظيف الثياب فقدرت انك قد تكون متعلم في كلية التربية وكنت سأسألك علي أحد معارفي

هنا كان الموضع الحكيم للصمت، ان لم يواصل حديثه فقد كان مقصوده فعلا مثل ما قال أما ان واصل الحديث فهي فرصة للتعرف علي ماهية هذا التعبير في عينيه!ه

قال وقد بدأ الشرود يتثاقل في نظرة عينيه:ه

جدع شاب أسمه ( خالد) من عرب قنا عرفته في أول أيامي هنا في مصر ، نزلت هنا مديون وسايب مراتي وعيالي في الدار منتظرين أبعت لهم اي نقدية تكفيهم السؤال ، جماعة أقربائي أعطوني ( العدّة ) ودلّوني علي شارع في الجيزة أقف عنده بانتظار اي أحد يطلب (فواعلي)، كنت قلقا مهموماً عقلي يكاد ان يفارقني ويسافر للبلد ليري أحوال العيال، وحين غلبني اليأس من أن أحصّل رزقاً يومها لجأت الي حديقة تشبه هذه وتمددت فيها واضعاً أدواتي تحت رأسي ورحت في النوم ، لم أدر كم نمت لكن حين أستيقظت كان هناك قميصاً نظيفاً حلو الرائحة علي وجهي وحين أزحته وجدت شاباً بجواري تعلو وجهه النجابة ومع ذلك يرتدي ملابس قديمة علي نظافتها!! ، تهلل وجهه حين قمت ونصحني ألا أنام تحت الشمس ورأسي مكشوف فانتبهت الي اني لا ارتدي العمّة ، قال ان اسمه ( خالد ) وانه من عرب قنا وانه متعلم في كلية التربية وان كان مرض والده المزارع تقتضي ارسال اي نقدية في أقرب وقت ودون انتظار ولذا لجأ لمثل هذا العمل

بعدها قام وأعطي الكوب الي أبي شيماء وأعطاه شيئاً غامضاً ( عرفت فيما بعد أنه ثمن كوبي الشاي)ثم أبَ اليّ وقال:ه

لا أخفي عليك فان قلبي انفتح له منذ ان رأيته ، كان حلو المعشر مطّلع ذا نظرة في احوال الناس وكان دوماً يعيرني اهتمامه وسمعه اذا ما تحدثت عن العيال وأحوالهم ، وقد شعرت أنه قد أخذ علي نفسه عهداً من ليلتها أن يقوم علي خدمتي والتخفيف عني ومصاحبتي ، مرت أيام عديدة كان فيها نعم الأخ والسمير والصاحب ومع هذا بدأ المال القليل في جيوبنا يتناقص بسرعة حتي بعد أن انتوي التوفير في الأكل ومقاطعة السجائر وأبداً لم تأت اي ( مقاولة )تنقذنا ، وحين اتصلت بالعيال ذات ليلة شكت لي أمهم أن لا أحد يريد أن يقرضها ولا تدري ماذا تفعل ، عدت اليه والدنيا امامي مثل ثقب الأبرة فوجدته هو الأخر قد علم أن أباه قد نقل الي المستشفي وعلي وشك جراحة تستلزم مبلغاً للتعاقد مع الطبيب ولا يدري ماذا يفعل ، بتنا ليلتنا مفتوحي الأعين وحين جنّ الصباح أتجهنا الي موقع وقوفنا ننتظر الرزق ولم يأت الضحي الا وقد تزاحم ( الفواعلية ) من حولنا وقد علا عجيجهم ، لم أكن معه كان عقلي مع زوجتي التي لا تجد ما تطعم به العيال هناك وعيوني تحتضن ناصية الشارع لاقتناص الرزق قبل من حولي وكنت أعرف انه هو الأخر لم يكن معي وأن عقله يكاد يكون مع والده ولاحظت أن عيونه تجري بسرعة خرافية علي الطريق

كنت ساعتئذ قد نسيت كل شئ عن المكان الذي انا فيه و( محمد ) الذي سيصل في اي لحظة الان واني جالس علي الرصيف بجوار ( نصبة ) شاي ، لم يكن في رأسي سوي ما يحكيه ( سـعـد)وقد لاحظت أن ألماً من نوع غريب قد بدأ يغزو وجهه حين قال:ه

وأذا بي أفاجأ بشئ يماثل الوحي يخبرني أن السيارة السوداء التي تقترب سوف تتوقف لتطلب ( فواعلية) واذا بي وسط ذهول الجميع أقفز وأتعلق بمقبض باب السيارة الخلفي وأجري متعلقاً به الي ان بدأ من حولي يفهمون حين هدأت السيارة سرعتها لديهم ، تزاحموا حولي وانا احاول فتح الباب لكنه كان موصداً ، وصلتني لهجة صاحب السيارة تطلب في أنفة واحداً فقط ، أخذت أخلص كل الأيادي التي تمسكت بالمقبض بمنتهي القسوة ولابد ان شكلي كان مرعباً لأنه لم يفكر أحد فيمن أذيتهم في رد الأذي لي ولم تبق سوي يد واحدة استماتت علي المقبض وحين رفعت عينيّ الي وجه صاحبها اصطدمت بوجه ( خالد )ينظر لي بثبات ، هو قد رأي في عينيّ اولادي الذين عاهدني ان ان يكون لهم نعم العم وانا رأيت في عينيه والده الذي قضيت الليالي اواسيه وأطمئنه علي صحته ، وجدت نفسي اتخلي عن المقبض وأخبرته انه هو الأحق وأنني أستطيع الأنتظار بينما تراجع هو الأخر وهو يهز رأسه غير راضيا ، أخذ كل منا يحض الأخر علي أن يركب والكل حولنا مندهش من سلوكي القاسي اول الامر ( لاحظت ترقرق الدموع في عينيه) واذا بي أستعيد صورة ابنتيّ وامهم وهم جوعي هناك فتقدمت نحو الباب وكان هذا في نفس اللحظةالتي تقدم هو الأخر نحو الباب قاصداً الركوب!ه

نظر اليّ نظرة لم أهنأ منذ ان رأيتها بنوم الي الأن ، كان فيها من الرحمة والحنان والود والحيرة ، كان كل شئ قد صار واضحاً لكلينا ولكنه تراجع بسرعة وأعطاني ظهره وانصرف لكي لا يعطيني الفرصة ، تجمدت مصدوماً للحظة ثم فتحت الباب وركبت وتحركت السيارة ورأيته سائراً بجوار السيارة ينظر في الأرض دون التفات

كان هذا يا أستاذ منذ حوالي اربعة اشهر لم أتوقف فيها لحظة عن البحث عنه دون طائل ، حتي جماعتنا هنا لا يدرون عنه شيئا ولم يعد لبلده علي الرغم من وفاة والده ، ولما رأيتك اليوم وددت لو كنت زميله وتعرف مكانه او تعرف حتي اين اجده،،،،،،،،ه

مرت بي سيارة ( محمد ) وسمعت ندائه وقد توقف ، تحاملت علي نفسي لكي أقف واسير اليه وهو لا يتوقف عن الاشارة لي في المراة بأن أسرع ومددت يدي لمقبض الباب وعندها لم اتحمل كتمان دموعي اكثر ، فلم أجد أيادي تصارعني علي مقبض الباب!ه

Oct 28, 2008

الببغاوات تردد لا ترد..!!ه


انا لا احب الببغاوات ، لا هذا الطائر زاهي الألوان ضخم المنقار العاجز عن التغريد ولا هؤلاء ذوي العقول التي تشبه المسطحات المائية الذين جلسوا امام بعض مدّعيي العلم والحكمة علي الشاشات واعاروهم أسماعهم واستودعوهم عقولهم وداروا بين خلق الله يرددون ما سمعوه دون شئ من تأمل أو تحكيم عقل ودون أدني نظر لمعرفة من أين يأتي والي اين يذهب بنا ما ينشرونه علي عباد الله !ه

انا لا احب الببغاوات ، خصوصا هؤلاء الذين يدورون بين الناس يحثونهم علي تجنب معاملة الأقباط أو طلب مودتهم ويحضونهم علي التضييق عليهم في مناحي الحياة استنادا الي بعض أيات القران الكريم والأحاديث التي وضعت بكل تأكيد في غير موضعها من مثل قوله تعالي في سورة المائدة ( يا ايها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصاري أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين)صدق الله العظيم ،وانا أود ان أضع بيني وبين الأقتناع بمثل هذا الطرح بعض الأسئلة:ه

لماذا يتم تصعير هذه الأية دون طرح سبب نزولها وأقوال العلماء حولها؟

ولماذا لا يردون بالأية التي وردت في سورة المائدة ايضا - اية رقم اثنان وثمانون- قال تعالي (لتجدن أشد الناس عداوة للذين أمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين أمنوا الذين قالوا انا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون)صدق الله العظيم؟

وهل نسينا ان من قبل ان يحمل أهل يثرب راية حماية ومنعة الاسلام ونصرة نبيه فقد سبقهم الملك المسيحي (النجاشي)ملك الحبشة هو ورهبانه مع مخاطرته بقطع علاقاته التجارية مع قريــش وقتها لرفضه أيان كان مسيحيا تسليم المسلمين الذين هاجروا الي أرضه وأطلاق حريتهم في اعتقاد ما يشاؤن؟

وهل ننسي ان تأسيس دولة الاسلام كان بدايته عقد حلف مع يهود يثرب؟

ألم يكن النبي محمد - عليه الصلاة والسلام - هو المتزوج من السيدة مارية- وهي قبطية -وهي ايضا ام ولده ابراهيم؟

ألم يكن النبي محمد - عليه الصلاة والسلام - هو الذي قام من مجلسه لمرور جنازة احد اليهود وحين سئل من متعجّب رد هو متعجبا: أوليست نفسا؟!!ه

وكيف به أذن اذا ما عامل هذه النفس وهي حية؟

أما كان أولي به ان يرهن درعه - الذي توفي عنه مرهونا -عند أحد المسلمين بدلا من ان يرهنه لدي يهودي( يهودي وليس مسيحي وراجع الأية بالأعلي)؟

أما كان أولي بعمر الفاروق رضي الله عنه وأرضاه وهو خليفة قد فتح بيت المقدس أن يزيل دور عباداتهم من المدينة المقدسة بدلا من ان يرفض ان يصلي في اكبرها حفاظاً علي ديانتهم؟

أما كان أولي بعمر- وهو الأغير علي دين الله- أن لا يقتص من عمرو بن العاص وابنه المسلمين لحق أحد الأقباط المصريين الذي سافر من مصر الي يثرب لرفع مظلمة أعتداء ابن عمرو عليه دون وجه حق؟

وهل بالعبس في وجه الأقباط والتضييق عليهم تحول معظم أهل مصر من المسيحية الي الاسلام ام مما لمسوه بأنفسهم من رقي تعاليمه؟

من الأولي بالرحمة والتراحم: من يقول (أحبوا أعدائكم)أم من يقول(انما بعثت لأتمم محاسن الأخلاق) وقال (الراحمون يرحمهم الرحمن أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)؟

أتراه قال(أرحموا المسلمين في الأرض يرحمكم من في السماء)؟

من فيكم يضمن ان نسبه لا يصل الي فرع قبطي ( وهو الأرجح)؟

ومن فيكم له فضل في أسلامه؟

ومن فيكم يأنف أن يأكل من يد مسيحيّة سوف يحافظ علي الأنفة اذا ما ركب طائرة ومالت عليه المضيفة الأجنبية - المسيحية هي الأخري-وتأتيه بالطعام؟ هل سيرد يدها؟

وكيف تأملون أن يصل الحال بنا اذا ما اصررتم علي ما تفكرون فيه؟ هل نموذج العراق يشبع رغبتكم ام أيرلندا الشمالية؟

وكيف تحبون أن يعاملكم الناس اذا ما سافرتم الي اوروبا وأمريكا وصرتم هناك أقلية؟

أما ترون أن ضجيجكم علي معاملتهم للمسلمين واضطهادهم هناك بلا معني اذا ما قارناه بدعاويكم؟

الكثير والكثير من الأسئلة بيني وبين ما تدعوننا اليه ، وللأسف دوما سيبقي هناك الكثير من الببغاوات الذين ينساقون وراء دعاويكم ، لأن الببغاوات دوما تردد لا ترد !!ه

Oct 11, 2008

في الــــشـــقــــــة !!( مـونودراما)ه


تحديث:قلب صاف داوي الكثير من الجروح وقد استأذن في البدء في التدوين علي مدونة زهرة العمر الجميل ، ارجو موافاته هناك
******************
الفصل الاول
مشهد أ
مناظر:غرفة نوم بسيطة
ملابس :ملابس النوم طبعا!ه
صوت : صوت منبه
* * *
كالمعتاد استيقظت من نومي صباحا علي صوت رنين المنبه وكالمعتاد ايضا أطفأته وحاولت ان اعود الي احلامي الي ان افسد عليّ المحاولة تعالي صوت قرقعة عنيفة اسفل النافذة ، هرولت للنافذة لأتحري المصيبة التي كانت مصدر الصوت ولكن خاب املي فلم يكن الموضوع اكثر من سقوط حزمة من الألوح الخشبية من فوق سيارة نقل ، أعلنت اننا قد اصبحنا واصبح الملك لله وتركت النافذة المفتوحة الي الحمام لأخذ حمامي الصباحي وعدت ثانية للغرفة وانا اجفف رأسي واذا بي أجد ما يدير العقل ، فالنافذة التي تركتها مفتوحة كانت قد سمحت لأشعة الشمس الذهبية ان تدخل فتغمر الحجرة ومشتملاتها وصار كل شئ يشع بريقا أخاذا كأنه قد خلق حالا
تأملت الفراش ، الدولاب ، الصور علي الجدران ، اوراقي ، كتبي الملقاة في كل مكان ، السجادة زاهية الألوان المنقوش عليها رسما طريفا لتوييتي ، يااااااااااه منذ متي والعملين الصباحي والمسائي قد اقتلعاني من البيت فلم اعد أئتنس به ولا بما فيه؟!ه
رفعت التليفون وطلبت مديريّ واعتذرت عن الحضور لظروف قاهرة ، وبعدها أغلقت التليفون تماما ، وهل هناك ظروفا قاهرة اكثر من انقاذ النفس قبل مواتها، تلفت حولي ، ان اشياء كثيرة جميلة لهي بانتظاري طيلة النهار
ستــــــــــــــار
مشهد ب
مناظر : الصالة والاستقبال
ملابس : بوكسر وتي شيرت
صوت : اغنية من غير كسوف لمحمد منير
* * *
بالطبع كان اول الأشياء الجميلة التي ابدأ بها اليوم هو ان امسح الأرضية ، ليس لأن الشقة تحتاج الي هذا بقدر ما احتاجه انا وقد كانت فرصة ذهبية للطفل المحب للعب في الماء ان يخرج للوجود مرة أخري ، واني لأعتقد ان من ابتكر ( الشبشب ) و (الشرشوبة) لهو من أعداء الأنسانية لأنه يحرمها من المتعة الفائقة بلمس الأرضية المبتلة بالأيدي والأقدام !!ه
من غير كسوف سبت الكلام يتقال ، معرفشي ليه اتقال ، كأنه كان موال بتردديه جنبي
بدأت المباراة حامية بمسح جيد للأركان و (المزانق) وقد كان تقديري موفقا حين اخترت البوكسر الرمادي والتي شيرت الابيض لهذه المهمة فقد كنت اشعر بانطلاق غير عادي لا أصادفة بالمرة طيلة أيام الأسبوع
مشيت وياكي للأخر ، أتاري اولك أخر ، عينيكي خدتني للحلم اللي مبيكملش
كلام خلي احلامي ، تشوفني وأشوفها قدامي، وهبتيني وخلاص مقدرشي ما اتكلمش
حتي ختام المباراة كان اكثر أجزائها امتاعا حين أتممت العمل ثم فتحت النوافذ ثم سحبت مقعدا وجلست عليه ممتلئا بالحبور ومتمتعا بارتشاف كوب الكاكاو واستقبال الهواء المعبق بذرات المياه المتبخرة ورائحة الليمون التي أضفتها الي مياه المسح ، لا احب الفخار ولكن اخال اننا قد قمنا بعمل رائع ها هنا
ستـــــــــــــــــار
الفصل الثاني
مشهد أ

مناظر : المعيشة والمكتبة
ملابس :رداء بيتي مريح
صوت : اوجاع الروح لعمر خيرت
* * *
بعد ان انتهيت من تنظيف الشقة كلها أعدت كل الفرش الي مكانه عدا السجاد كي أتمتع بالسير حافي القدمين علي الأرضية الممسوحة ،كنت قد عرفت ماهية هذا اليوم لديّ وقيمته لذا قررت أن استغل كل دقيقة فيه ولا أضيعها بالنوم او الجلوس أمام الكومبيوتر الخ ، دخلت الغرفة ولملمت ما كان فيها من كتب وأوراق ورددتهم الي غرفة المكتبة وجلست علي الأرض بجوارهم ، منذ متي لم تصافح عيناي مثل هذه الصفحات ؟ وما الذي يمكن ان يحدث اذا ما حكم علي ان ابتعد عنها لأي ظرف؟ هذه حدثت مرة ولا أظن اني سأتحمل مرة أخري

كم من الموسيقيين القادرين علي تفجير المشاعر مثل ما تفعل يا عمر؟

هذا كتاب ( ماذا حدث للمصريين في خمسين عاما ؟)للمفكر جلال أمين احد القلائل الذين خلطوا الأجتماع بالأقتصاد وظهر الكتاب كالتحفة من فرط بساطته وسهولة عباراته وفيضان تأملاته وسكنت ذهني احدي عباراته منذ اخر مرة قرأته و التي تحدثت عن ان ( الأنسان في سعيه يفعل جلّ ما يفعله بغض النظر عن نوعيته لينال الأحترام من المحيطين به)ه
وهذه مجموعة قصص قصيرة ليوسف ادريس بعنوان ( اخر الدنيا )لم يخيب فيها هذا العملاق ظني حين ابتعتها من المعرض العام الماضي ودوما ما يسكن خلدي ما دار من حوار بين الولد وابيه في قصة (اخر الدنيا )نفسها
وهذا كتاب ( فتنة التكفير بين السنة والشيعة ) للمفكر الكبير د/ محمد عمارة يعرض فيه لمذاهب الشيعة والوهابية والصوفية ومواضع المناجزة فيما بينهم كلهم وينصح ان نتوخي الحذر وان لا ننساق وراء ما يجرونا اليه
أما عن هذا فهو الجزء الثاني من كتاب (المفاوضات السرية بين العرب واسرائيل - لماذا لم يتفاوض عبد الناصر ؟ وكيف تفاوض السادات؟) لمحمد حسنين هيكل و الكتاب وان كان عملا عظيما الا ان هذا الجزء أهم ما فيه علي الاطلاق واستطاع ان يبدد مساحات غائمة كثيرة كانت لديّ
أخذت أتلمس الأغلفة وأتصفح سريعا فصولها كتابا بعد الاخر الي ان شعرت بأني قد أكتفيت من الطاقة الأيجابية التي تفيض منها ، نظمتها ووضعتها في صف قائم علي الرف الي حين

ستــــــــار
مشهد ب

مناظر: المطبخ
ملابس: السابق وان زادت عليه مريولة المطبخ
صوت:غناء البطل لعبد الوهاب
* * *
والأن حان لنا ان نختم اليوم بأكثر الأشياء امتاعا الا وهي ( اعداد العشاء )وهي لمن لا يدري منطقة مفتوحة لأبداعي الشخصي لأن الغداء يكون من اعداد ( الحاجة)علي الرغم من انه محفوظ في الثلاجة ، لكن العشاء شئ أخر، المهم تقرير الحالة الوارد من الثلاجة يشير الي اننا لدينا اكثر من ثلاث درنات بطاطس وعلبة صلصة وجبن أبيض وفول وبيض والخبز ايضا، انها ليلة (زي الفل ) بمشيئة الله!!ه

رأيت خياله خيااااله في المنااااااااااام

علي الرغم من انه كان عبد الوهاب لكن ينبغي ان أتسائل : كيف كان يغني هكذا؟عموما ان الاغنية تعجبني هكذا
يقولون ان اعداد الطعام علي نار هادئة يجعله ألذ في مذاقه عن حالته هو نفسه ان تم تسويته سريعا ، والحمد لله الليلة نحن نملك الوقت
لم تمر عشر دقائق حتي ازدادت سرعتي في الحركة بين عيون الموقد الأربعة احداهن لقلي البيض والثانية للفول والثالثة لطاسة الزيت اللازمة لقلي البطاطس أما الرابعة فقد حملت السلاح السري الخاص بي
استبد بي الطرب وارتفع معدل الأداء وأنا اتنقل بين الأربع عيون فرفعت عقيرتي بالغناء أشق سكون ما حولي بصوتي
رأيت خياله خيااااله في المنااااااااام
محلاها يا وعدي ، تن تن ( كل تن كانت مصحوبة بحركة من يدي أنثر فيها الماء عن البطاطس
تـــش( هذه كانت مصحوبة بقذف البطاطس في الطاسة بمنتهي الحماس
محلاها يا وعدي ، تن تن
تــــشششششششش
كانت الرمية هذه المرة عنيفة بعض الشئ فيما يبدو والا لماذا تعالي لسان اللهب هذا من تحت الطاسة وكاد ان يصل الي السقف قبل ان يحترم نفسه ويعود من حيث أتي ،عموما اعترف اننا قد أدينا عملا جليلا هنالك ولم يتبق سوي ان نضيف السلاح السري الي البطاطس وهذا عبارة عن الصلصة المختلطة ببعض التوابل المخصوصة والتي تم طهوها بطريقة مخصوصة غير قابلة للافشاء
ستـــــــــار
مشهد ج
الان عليّ ان أكل بمنتهي الهناء ثم أرفع الأطباق الي المطبخ ولكن استرعي انتباهي قبل ان أشرع في الأكل أن هناك الكثير من الأصوات الغاضبة بالخارج لم أفسر من عجيجهم سوي القليل ، يتحدثون عن أشياء غريبة من عينة ( جــعيــر) و( طبيخ في نص الليل )وما الي ذلك!!ه
أنني لأأسي علي الشخص الذي يتجرأ علي استفزاز مثل من هم بالخارج ولا أعرف مصيره يمكن ان يكون علي اي شاكلة، عموما ( مالناش دعوة)!!ه
ستــــــار

Sep 12, 2008

تقــريـــر ختـــامــي !!!ه


والمعهود في مثل هذه الاحوال والمناسبات ان تعلو الدهشة وجوه اصحاب المناسبة وهم يتسائلون ان : هل بالفعل مضي عام؟!!ه
وبدون اي داعي للدهشة او الاستغراب فان هذا الشهر يتمم عاما قضيته امام شاشة الانترنت لأدوّن ، وهي ليست بالمناسبة القومية او التي توقد فيها الشموع واتلقي فيها الهدايا بقدر ما احسبها مناسبة مهمة للتأمل في فعل التدوين نفسه وأثره علي المدون والمتلقي وعن جودة الانتاج وفرص تجويده اكثر ان لم يكن جيدا وهكذا

اريد ان اقول ايضا ان المدونة كانت احدي المساحات التي تتلقي افكارا تراودني وان لم تكن المساحة الوحيدة واشهد اني لاقيت بعض الصعوبة في الاستقرار علي شكل يناسب الكتابة علي مدونة ولكن احسب ان تعليقات الزوار قد تبين ان كانت محاولتي قد افلحت او لا

وعن اسم المدونة وتوقيع صاحبها هناك قصة طريفة اظن ان من حقكم علي ّ ان تعرفوها الان ، فقد كنت لدي البدء في تأسيس المدونة قد اخترت للمدونة اسم ( وسط البله !!) وهو تنويع علي اسم منطقتي الافضل ( وسط البلد ) لكي يكون الاسم لافتا للنظر وايضا اخترت ان يكون التوقيع علي اني (تايه وسط البله )وان عدت فقدرت قسوة الاسم ووقعه وأثرت ان اعود بالأسم لأصله لعل المدونة تقتبس شيئا من نسائم وسط البلد ولكن التوقيع لم يتم تعديله!!ه

وهناك شئ اخر اريد ان أوضحه وهو السبب في اخفائي لأسمي وهو لا يمت بصلة للخوف من المتابعة الأمنية لأني اعرف بموضوع المتابعة هذا - مما لاقته اسراء عبد الفتاح في 6ابريل الماضي -منذ ان قررت ان أدشن المدونة ولكني اريد ان اوضح ان السبب الرئيسي في هذا الموضوع هو رغبتي في ان تكون الافكار المدونة هي افكار شاب مصري وفقط ، قد يكون جارك او زميلك في كلية او راكب جاورك في قطار او او او وهذا بالطبع بجوار اسباب اخري وان كانت ثانوية في الأهمية

اثنان وثلاثون تدوينا كانت هي الحصيلة طوال عام مضي ، كان منها13تدوينا سياسياً حيادياً اجتهدنا فيها لتوصيف الساحة السياسية في مصر من اقصي اليمين الي اقصي اليسار وشرح تفاصيلها دون افتئات وقد بدأناها
بتدوين سياسي غير معهود يشرح الغرض منها وان كان الدافع الشامل من وراء كتابتها سوف يشغل احد تدوينات العام القادم

وحاولنا القاء الضوء علي الفارق الهائل بين ما نتصوره نحن في البشر وحقيقتهم في تدوين
يا حبيبتي يا ايناس!!ه

وكذلك دونّا عن المشاعر التي تتصارع داخل احد العزاب كمحاولة للتواصل مع اخوانه في العزوبية وايضا كنصب سيصبح تذكاريا - ان شاءالمولي ولم يعقنا عائق -في يوم من الايام وذلك كان في تدوينة الـعــزوبـــية
وحاولنا تغيير القالب التدويني بايراد قصيدة كتبت في ظروف صعبة واستلهمت من السواد الذي كان مسيطرا بعض الاطياف الوردية فكانت قصيدة الأســــــود
وفضلنا ان نستعين بالسخرية المريرة السوداء لكي نقص حادث -قد يحدث اكثر منه لأي منا - ولنربطه بالواقع والمستقبل وهذا كان في تدوينة
اختبار الشهر في مادة المواطنة
وحين توفي الكاتب الصحفي اللامع مجدي مهنا لم نتوان ان نكتب عـــن النــــجــوم
واخترنا ان تكون التدوينة الحرة التالية عن ســـتّي كنموذج مصري يستحق التأمل والدرس

وألحّ علي خاطرنا ان نكتب عن ما بين البشر من فروق والعبث في انتظار المرحلة تلو المرحلة أملين ان نستطيع ان ننقل خبرتنا الشخصية المتواضعة الي الغير وذلك كان في تدوينة
هــذا أنا
وحين فاحت رائحة المتاجرة بأراضي الدولة وبيع مستقبل وحقوق اجيال لم تر النور بعد مقابل حفنة قذرة من الجنيهات كان لابد ان نصرخ عبر تدوينة حبايبي الـــحــلــويـــن
ثم أخذنا موقفا حدث بالفعل كنموذج مصغر للجاري في وطن بأكمله بما يضمن الانزلاق به الي الهاوية ان استمر الحال علي ما هو عليه في تدوينة الـــنوافــــذ
وفي الذكري الستون للنكبة استلهمنا كلمات الأستاذ هيكل في حديثه عن الأمــم الكبيرة

وحاولنا الامساك بتهويمات من أطياف الماضي ونظمها في سطور قد تعيد لأي منا بعض ما فقده في رحلته في تدوينة ســـكــون

واردنا ان ندق الجرس لكي ننبه الغافلين والمنومين بفعل العامل اليومي من مقالات وبرامج بما يدير الرؤس في تدوينة الأحــتـــفال

وحاولنا الهرب مما يعتاد عليه البشر من رسم الصور لأنفسهم وامام انفسهم وكذلك التحذير من الرد علي الاساءة بالاساءة كخلق شنيع يجذب من يتبناه الي دوائر بعيدة عن السمو والنبل من خلال تدوينة الـــخــطـيـئة

واتجهنا الي التجديد في القالب التدويني باضافة كلمات تفوح - او قل تشتاق - بعبير الحب في تدوينة.......ه

وحين توفي المفكر الكبير عبد الوهاب المسيري تحدثنا عن أبرز اسباب خلوده في ذهن محبيه وتلاميذه في تدوينة مــا يتـــــبقــي

-واعمالا لحق أصيل للبشر علي بعضهم في التواصل والتعارف استجبنا لدعوة من صديقتنا مهرة وسردنا - علي مشقة بعض دخائل النفس في تدوينة حينما تكلف بواجب

وحاولنا اشراك أصدقائنا معنا لحل لغز استعصي علي فهمنا حينما تحدثنا عن عم غنيم (وقد جائته دعوة صريحة بالزواج من صديقتنا نهر الحب !!ه)ه

وبكل ما يعتمل في النفس نادينا الصديق والسند ان يبرز ويأتي لكي نعبر معه جبال الانحلال والتخلف والخمول وتمنينا ان ليتك كنت هنا

وأخيراً وليس أخراً دعونا نهنئكم بهذه الأيام الطيبة المباركة ونؤكد علي ان ( وسط البلد )اذا ما كانت تستحق منكم شيئاً فهي تستحق التعليق علي تدويناتها من حيث الأفضل والأضعف ولماذا وعن وجود اي اقتراحات للتطوير او ملحوظة تخص اي شئ في المدونة ، تعليقاً مطلقاً دون سابق من قيد او شرط مع وعد مني ان توضع الملاحظات في الحال طبق الدرس والتنفيذ


كل عام وانتم بألف خير وسعادة

Aug 30, 2008

حــركــــة كـــــفايــــة 2

تدوين سياسي غير معهود : توصيف حيادي للساحة السياسية المصرية
*************
في الفترة بين ديسمبر 2004ومايو 2005توالت احداث عديدة وجرت مياه كثيرة تحت الجسور ، كانت ملامح كل شئ تتبدل ، وصار واضحا ان اركان الحكم في مصر قد بهتت بهذا الحدث الغريب عليها وعلي ارض العرب كلها ، وبالطبع فهي لم تألف اسلوب تأسيس مثلما تأسست به الحركة ولا تقارب شخصيات ورؤس تيارات ما كان متوقعا ان تتقارب وكذلك الابتعاد عن التنظيم الهيكلي بمناصب ومسميات تفرض فرصا للصراع ، ايضا كانت الحركة صاحبة الربح في تأسيس اسلوب احتجاج سلمي حضاري يتلافي ما تدعيه اجهزة الامن وفي نفس الوقت يظهر بمظهر مشرف امام الشعب والشعوب الاخري كاشفا عن نبل المطالب ، بل والبعد عن المصطلحات الايديولوجية الغليظة والمطالب الملتفة والاكتفاء بمطلب وحيد بسيط الصيغة : كـــفايــــة

توالت المظاهرات و تباينت اساليب التعامل معها وان ظهر ان اركان النظام بالفعل تعاني من الارتجاج وانها قد وقعت بين مطرقة المطالب الخارجية بفتح منافذ التعبير وسندان المطالب الداخلية بالتخلي عن الحكم والرحيل

وكان من اظهر المشاهد التي بينت هذا الارتجاج هي المشاهد التي جرت في شوارع وسط البلد انتهاءا بسلالم نقابة الصحفيين يوم الاستفتاء علي تعديل المادة76من الدستور في مايو2004من نزول اعضاء الحزب الوطني بانفسهم الي الشوارع لتسيير البلطجية والمسجلين وتحت رعاية وزارة الداخلية وانفلات اعصابهم وغياب عقولهم للدرجة التي ورطتهم - وقد تم تصوير كل الاحداث -في التحريض علي هتك عرض المتظاهرات وتأديب المتظاهرين بما ينفذ الي مراكز الكرامة لديهم ويحيل دون استمرارهم في ما ارتضوه لانفسهم

وبعد انتخابات البرلمان لعام2005والتي اعلن فيها عن نجاح 88نائبا من الاخوان المسلمين بان ان ( المطرقة ) الخارجية قد رفعت عن رأس النظام الحاكم بعدما نجح في ان يخيف اساطين الحكم في واشنطن من الخيار الاسلامي الذي يتلمظ للانقضاض علي الحكم ، ولم يعد هناك للحركة - وللامانة فهي لم تقصد منذ البداية - سوي الشعب

وكانت النتيجة - للأسف - ان اللحظة التاريخية لنهوض المصريين لم تتوافق مع تأسيس الحركة - علي الاقل في ما فات -ونالت الحركة وكوادرها اقصي افعال التضييق والقمع ثم المنع وبأشنع الطرق علي مرأي ومسمع من افراد الشعب قاطبة

قد يتسرع البعض باتهام الشعب المصري بالجبن والسلبية بالحكم المطلق لكن العقلاء اسرعوا الي المنبع الوحيد الذي يمنح الفهم لما هو قادم الا وهو التاريخ ، حينها لاحظوا ان المصريين من اقدم شعوب العالم وابعدهم غورا في التاريخ وان تاريخهم يمكن توصيفه بطبقات متوالية من حكومات واديان ولغات مختلفة لم يربط بينها سوي رابط واحد : سمات شعبها

الشعب الذي كان يعبد مليكه هو نفسه الشعب الذي كان يدحر الهكسوس والاشوريين

والشعب الذي خرج لملاقاة التتار في عين جالوت وردهم عن ارض العرب هو نفسه الشعب الذي يسارع بغلق حوانيته وابواب بيته اذا ما دارالقتال بين المماليك وبعضها الي ان يأتي صباح ينادي فيه ان الامر قد استتب للمملوك الفلاني

كان اول اسباب وقوف الحركة بمعزل عن الشعب ان الشعب المصري لا يتحرك كله الا استجابة للحل الجاهز ، البديل الذي يؤكد قوته بالفعل ويدخل في اختبار القوة والذكاء مع سابقه ويهزمه والمستحق حينئذ للتأييد والبذل ، ولم يكن اسلوب تأسيس ولا الاهداف التي تقصدها الحركة يسمحان بتفعيل هذا( تأمل في حدث قيام الثورة وما نالته من تأييد وتأمل ما التقطه الاديب المصري نجيب محفوظ في روائعه التوت والنبوت والحرافيش وغيرها)ه

وكان ثاني الاسباب هو زهو الحركة الشديد بأنها الوحي الاعظم لاسلوب التظاهر كأسلوب احتجاجي سلمي في مصر بما كان الهاما لكل الفئات كي تتقدم بنفس الاسلوب وتطالب بحقوقها ، وهذا وان كان تصورا صحيحا في مجمله الي ان الزمن يجعله عديم المعني لان الحركة لم تجتهد لكي تطور من اساليبها افقيا او رأسيا وبالتالي لم يكن هناك نافذة تطل بها علي الناس سوي نافذة المظاهرات وحين انقمعت المظاهرات انعزلت الحركة ( هذا بجانب ان الثقافة المصرية اساسا لا تعترف بالمظاهرات وتعتبرها تجربة لصحة الحنجرة ليس الا ! )ه

وكان ثالث الاسباب هو التشتت الشديد في نشاط الاعضاء واقصد به ان تأسيس الحركات كان متوازيا لا متراكما ، فالافراد الذين اسسوا كفاية خرج منهم البعض لتأسيس ( عمال من اجل التغيير ) وخرج فصيل اخر لتأسيس (حركة 9مارس ) ولم ينجح الاصل ولا الفروع في اجتذاب كتلة تحمي وتؤازر في المعارك التي انفتحت علي مصراعيها فظلت ايضا وحيدة

والساحة السياسية دائما ما تتمثل بجبل الثلج الذي لا يظهر منه الا قمته ، ومع هذا يمكن الاطمئنان الي كفاح الحركة المصرية من اجل التغيير ( كــفــايــــة) كفعل وطني خالص قد يكون قد ضل طريقه في النفاذ الي ضمير المصريين وان لم يخطئ ابدا حين اتخذ مرجعيته الاولي والاخيرة الشعب المصري

Aug 8, 2008

ليتــك كـنـت هــنـا !!ه


ليتك كنت هنا يا مهند
طلع الصباح منبئاً بنهارٍٍٍ رائع
اخذت طائرتي الورقية وانتويت ان اطيرها اليوم
وليتك كنت هنا يا مهند حين مر عليّ هذا الرجل العجوز
وراني اجهز الخيط
اذا به يضحك مستعرضاً اسنانه النخرة دلالةً علي خبرته!!ه
ويخبرني انني مجنون اذ أفكر في ان أطيّر طائرتي هنا
شارع ضيق وبيوت تكاد تنطبق علي بعضها
لذا فقد نصحني ان أنضم الي أقراني والعب معهم
المسّاكة او نط الحبل او حتي بالـبـلي !!ه
وألاّ أحاول !ه
وليتك كنت هنا يا مهند
حين بدأت أطيّر طائرتي
فاذا بالخيط يشتبك بأحبال غسيل ام هناء
ًنعم هي نفسها الأحبال التي تحلو في عيون (ام هناء) كل ليلة
فتبدأ في نشر غسيلها المزعوم
ومعها تسترق السمع لتري ما أتي به (ابو حسين) لبيته!!ه
وليتك رأيت العجوز وأقراني والمارة تتعالي ضحكاتهم
العجوز عرفاناً للقدر الذي لم يـخيّــب ظن (خبرته)!!ه
وأقراني الذين أرادوا ان أنضم اليهم
والمارة الذين عاشوا وسيموتون دون ان يروا الشمس !!ه
انا ايضا لم ار الشمس !!ه
و لا أظن أني سوف أحيا لكي أراها
ولكن حسبي ان أجعل الشمس تغمر طائرتي بنورها
ولسوف تغمرها
**************
ليتك كنت هنا يا مهــنــّد
فتصير الطائرة طائــرتيــن
ويستحيل الوجود ملكاً لنــــــا