في كتابه ( سيرة القاهرة) - والذي كتبه عن زيارته مصر اوائل القرن الماضي - يحكي المؤرخ الانجليزي سير ستانلي لينبول عن محادثة دارت بين احدي السيدات الإنجليزيات وبين سيدة مصرية قاهرية حيث ان الأولي عرفت عن الثانية انها ومثيلاتها ليس لهم ان يخرجوا من البيت دون إذن وليهم وليس لهم ان يخرجوا من البيت مطلقا وحدهم ولهم مكان داخل البيت مخصص لهم ولا يرون الغرباء الا فيما ندر ، وبالطبع أخذت الدهشة ابنة الغرب فسألت بنت الشرق : وماذا تفعلين طيلة النهار؟
فردت السيدة القاهرية : أجلس فوق هذه الأريكة!!ه
وعادت الانجليزية تسأل : وحين تملين الجلوس علي هذه الأريكة؟
وردت السيدة المصرية : أقوم وأجلس علي الأريكة الأخري!!!ه
ولا شك لدي في السطحية والإستظهار اللذين تمتع به أغلب المستشرقين حين نظروا في أحوال بلاد الشرق وعلي رأسهم مصر الا اني لا أري ان المرأة المصرية كانت بعيدة عن مثل هذا التفكير في هذه الفترة وذلك لأنها كانت قد عبرت غمار عصور من الجهل والتخلف أودت بحصافة المرأة - والرجل ايضا - ولم تترك لديها من الادراك الا الحس الفطري وميراث ثقيل من التوجس من المجتمع والإنكماش تحت عباءة الرجل (وهذا الإنكماش في ذاته ليس عيبا فهو صورة مثالية للفطرة السليمة ولكن المعيب هو الإفراط فيه)ه
وقد قصدت البدء بمثل هذه الحكاية لأنها تصور المرأة المصرية التي تسلمتها أفكار الطهطاوي وعلي مبارك والمدرسة السنية للبنات والتي من بعدها استقبلت أذناها دعوة لشخص عجيب اسمه ( قاسم أمين ) يتحدث في كتابين هما ( تحرير المرأة) و( المرأة الجديدة) عن ضرورة تعليم المرأة وحتمية إعتمادها علي نفسها والتحلل من الصورة غير الإنسانية للإرتكان علي الرجل والخضوع له
وبدأت المرأة المصرية المشوار
***************
في إعتقادي المتواضع ان هناك فارق بين تعليم المرأة والنهوض بأسلوب تفكيرها كصانعة أجيال وحاضنة الأمم وبين حض المرأة علي العمل والمساواة بالرجال في كل المجالات ، الأول منهما حيوي وحتمي لأي أمة تود ان تحفظ أساسها للبقاء ، ولم يكن الإسلام بعيداً عن هذا المفهوم ابداً فالنبي صلي الله عليه وسلم لم يكن يرد سائلة وكانت السيدة عائشة من راويات الأحاديث المكثرات ووردت أحاديث تثني علي علمها ، وحتي حين اتسعت رقعة الدولة الإسلامية حتي طالت الأندلس غربا والهند شرقا بني المسلمون أعظم حضارة علي الأخلاق والعلم الباهرين ولم يكن هذا ليجري لو ان حاضنة الأطفال تعاني الجهل
أما الثاني فمجرد دعوة نشأت بحسن نية أو سوء نية لا أحد يدري ، بناء علي تفكير عميق او بناءا علي عواطف مشبوبة لا احد يدري ، في مجملها خير مطلق او شر مطلق لا احد ايضا يدري!!!ه وأصل الدعوة الذي كان في الغرب في رأيي المتواضع كان رد فعل ثوري من المرأة علي قيود وكبت صنعهماالرجل ولكن ككل رد فعل غير محسوب وغير عاقل فإنه عاد بالبؤس علي من رعوه ومن تبعهم ، فالدعوة نادت بأن لا فارق بين الرجل والمرأة وأنها قادرة علي إثبات ذاتها والتفوق ايضا علي الرجل في اي مجال ، وفشت الدعوات لتعليم الإناث والجهاد في سبيل حق المرأة وهنا في مصر تشربت المرأة مبادئ الدعوة ومضت في جهادها - حسب اعتقادهن- وبالفعل كان من بين هؤلاء فلتات استطعن حفر اسمائهن في ذاكرة الأمة وصرن قدوة للرجال قبل النساء
بالرغم من هذا كله بقيت الإشكاليات دون حل ، غطت عليها صخب الدعوات ونشوة الإنجازات : جامعية ، استاذة في الجامعة ، طبيبة ، قاضية ادارية ، وزيرة الخ ، وكانت ابرز تلك الإشكاليات
التعارض مع الفطرة
فبعد ان أؤكد يقيني التام بأن المرأة في مجملها تشتمل علي مميزات ومواهب لا تقل عن تلك التي في الرجل ولا تؤخرها ابدا- في المجمل -عن مقعد القيادة الا ان هذا لم يكن بالخصم من واجباتها الفطرية التي خلقت من اجلها ولا يستطيع احد ان ينوب عنها فيها ، والنتيجة كانت بالظلم البين والشقاء علي المرأة المطلوب منها ان تحارب علي كل الجبهات
وهمسة في الأذن تقول بأن النساء في اوروبا وخصوصا فرنسا - ابحثوا عن كتاب ( اني عائدة للمنزل) - قد انتبهن اخيرا لمدي الضرر الذي وقع علي حياتهن واختياراتهن واسلوبهن في المعيشة بما جعلهن علي شبه يقين ان العودة للدور ( وهو ما لا ادعو اليه مطلقا)الأصلي والطبيعي قد حان وقتها
غياب التمييز
بمعني انه اذا كان من الطبيعي ان يتعلم كل النساء ، فهل من الطبيعي ايضا ان يعمل كل من تعلم منهن؟
ان الذي تلقي الحديث عن تعليم المرأة لم يفهم الكلام جيدا والا كانت الفلسفة في عمل المرأة تعطي الأولوية للشخصيات النسوية الموهوبة والعقول الإستثنائية وربات العمل الشاق والذكاء المتقد وليس فتح مدارس الدبلومات الفنية والتجارية لملايين البنات يخرجن لا يفقهن شيئا في التجارة او التدبير المنزلي علي حد سواء!!!ه
مناجزة الرجال
في مجتمعنا - المدعو له بالهداية - فان المرأة لا تحارب لتقوم بواجبات كونها أنثي او واجبات عملها ومصاعب الحياة المتزايدة ولكن ايضا أضيف عليها تسلط الرجل ، ففي نظر أغلبية رجال مجتمعنا فان وجود المرأة ( محشورة ) في كل شئ أمر خانق ، كما ان الجو العام في الغالب يبدأ في الإمتلاء بالقيل والقال والأحاديث ذات المعاني الخ
ولكم يعصرني الألم مثلا اذا ما تصورت انني قد زاملت زميلات في العمل كن يتواجدن كما نتواجد في مكان العمل لأكثر من سبع ساعات دون ان يكون من حقهن مثلا ان يلجن ( للتواليت ) لكونه غير جاهز لإستقبال النساء!!!ه
والحق ان الموضوع متشعب وضخم ولا تقدر تدوينة مسكينة علي الإحاطة به ولكني أعتبرها ( جر كلام) وتسديد لدين ضخم في رقبتي ورقبة كل رجل للجنس الذي حملتني إحدي المنتميات له وظلت تذهب لعملها - رغم وهن الحمل - وحتي يوم الوضع لأنها لم تكن تملك رفاهية الإختيار وعلمتني ان افهم جيدا قيمة المرأة وحقيقة دورها في الحياة
وانني لأتمني ان تهتدي كل امرأة في مصر لدورها الصحيح الذي يناسبها هي لا ما يناسب الأخريات ، فحينئذ سوف يكون أمامها العديد والعديد من الأشياء العظيمة ، وليس من بينها ابدا الجلوس علي هذه الأريكة او تلك!!!ه
ــــــــــــ
الصور لامرأة القاهرة في القرن التاسع عشر