بعد الف سلام وتحية
هذه ذكري وفاتك الثالثة والعشرين قد حلت ومع ذلك فإنني وللعجب لا أراك بعيداً كل هذا البعد ، وحتي ولو قال كل من حولي انك محبوبهم وظلوا يعلقون رباعياتك علي صدورهم ويتغنون بحكمتك وتلقائيتك التي مكنتك واياهم من ملامسة السحاب ، الا انهم ومع كل هذا جزء من هذا المجتمع الذي لا ينظر أغلبه للحالمين والمبدعين الا كنظرته الي الببغاء في قفص ، يثنون علي ألوانه ويضحكون علي صوته ويتسلون بمتابعته الا انهم لا يملكون ما يستقبلون به حكمته ونقده اذا ما ( تجرأ ) يوما علي ان يفكر وينقد!!!ه
صادقاً غنيت انت للإنجازات التي صادفتها في شبابك ، أعرف انك كنت تلقائياً دافق الوطنية مبهوراً بما صار بعد ما كان ، وبعين الخيال انت رأيت ملامح المدينة الفاضلة وبشرت بها في أغانيك الجميلة ، ولكن جاءت النكسة بما بدل الحال
هم قالوا انك اكتأبت بعدها وأغلقت علي نفسك الأبواب ولما خرجت ، خرجت خالعاً ردائك وارتديت أسمالاً من أعمال ( خفيفة) كما حكوا!!!ه
وانا الذي لم أصادف الوعي الا بعد ان رحلت انت عنا أدعي بأني علي علم بحقيقة ما حدث ، وان كنت لا أصارح الكثيرين به فهم لن يستقبلوا كلامي اصلاً فكيف أطالبهم بتفهمه؟!!!ه
ألم يحدث يا عمو صلاح انك قد أفقت بأحداث النكسة علي الواقع الذي كان بعيداً بعض الشئ عن ما ورد في أغانيك؟
ألم يحدث أنك قد أغلقت الباب علي نفسك وأمعنت التفكير فعرفت انك كنت مبشراً مخلصاً لعظائم القضايا وان كنت فطنت الي ان ( القضية العظيمة ) هي مجموعة من القضايا الأصغر والأدق التي تنشد الي بعضها فتتعاظم وترقي؟
ألم تغني ل( الإستقلال الوطني) ثم أيقنت - حين أغلقت الباب وفكرت - الي انها مزيج الكرامة والتضحية وانكار الذات والترفع عن الدنايا؟
ألم تبشر بالمجتمع الرفيع ثم فطنت الي أنه مجموع التراحم والصدق مع النفس وقبول الأخر والعفة الخ ؟
ألم تدعو لاستنفار الهمم ونصرة الضعيف ثم عرفت انهما مرهونان
أنت توصلت لكل هذا وخرجت من عزلتك عازماً علي رفع سلاحك من جديد ، ولكن هذه المرة كانت الأمور قد اتضحت وبان العدو الحقيقي الكامن في نفوسنا
في فيلم ( خللي بالك من زوزو ) انت حاربت إزدواجية التراث والمعاصرة ، الدين والدنيا ، الظاهر والباطن ، الفقر والغني وأهم من هذا كله قصدت طرح سؤالاً خطيراً : من نحن أصلا ؟
وبالطبع فإن الكثيرين رأوا الفيلم خطيئة في تاريخك ، كانوا ينتظرون من الببغاء ان يواصل تسليتهم!!ه
وفي فيلم ( أميرة حبي انا ) حاربت القضاء علي البراءة والتكافؤ من قبل قوي التحكم وشراء البشر والذمم ، ومثلما كان هناك المدير العام المتحكم المتكئ علي كرسيه كان هناك الموظف الذميم والموظفة الغيورة
وفي تحفتك ( شفيقة ومتولي )أظهرتنا بالفعل كما نحن ، بعض من ملح الأرض ضحايا المتنفذين والمتجبرين ، ومنا ايضا الخائن الذي باع شرفه وبلاده وأهله من أجل منصب أو حفنة سم هاري
وأخذت صبيحة كل يوم تتحسس مواضع النقص داخلنا ، تحمل ريشتك وتشير اليها علنا نسمعك ، ونحن نتصفح رسوماتك ونضحك ، يسرح السم في دمك ونحن نضحك!!ه
حتي عملك الرائع ( الليلة الكبيرة ) لم يكن تصويراً بديعاً لأحد محافل المصريين التليدة والعميقة في وعيهم ، ولكنك حملت الشخصيات كل ما فينا فخرج بهذه العظمة
ولم يكن بعيدا عنا ( ابو عمة مايلة ) ولا الذي سيحول وجه السبع شوارع
ولا الذي امتنع عن ابداء عترته لان( البدلة جديدة ) ولا الذين يقضون الليلة الكبيرة في استمتاع باحساس العيش ( سفلقة ) اكثر من تمتعهم بالليلة نفسها
حتي حين إرتأيت انت ان العلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمعنا أساس ومصنع النفوس وبحاجة الي العناية لم تتأخر ، وكتبت مسلسل ( هو وهي ) عله يسهم في ترميم علاقة الرجل بالمرأة فتنشأ ذرية مستقرة وقادرة
ومضت الأيام ، وتوالت السنون ، وانت تنتظر ما لا يجئ ، وزاد لديك اليقين بأن ما تأمله لن تراه بعينيك ، فصبيحة كل يوم تحمل خبراً ثابتاً بالإبتعاد أكثر وأكثر عن مرفأ الأحلام ، وصارت المدينة الفاضلة التي
ومضت الأيام ، وتوالت السنون ، وانت تنتظر ما لا يجئ ، وزاد لديك اليقين بأن ما تأمله لن تراه بعينيك ، فصبيحة كل يوم تحمل خبراً ثابتاً بالإبتعاد أكثر وأكثر عن مرفأ الأحلام ، وصارت المدينة الفاضلة التي
قاربت ان تعاينها بنفسك بيننا وبينها بحاراً وجبالاً ووهاد ، لم تخر ميتاً الا بعد ان جاءك يقين أخر أننا صنعنا كل هذا بأيديناِ