Sep 26, 2010

أيام عصيبة ( الجزء الثاني)ه

الحزب الوطني الديمقراطي - لجنة السياسات 
حينما دونا قبلاً عن الحزب الوطني الديمقراطي - هنا - قلنا انه التنظيم السياسي الذي واكب توجه الرئيس السادات في تغيير( شكل ) الساحة السياسية في مصر من تنظيم سياسي واحد يضم كافة الفئات والأفكار ومنفرد بشرعية العمل السياسي الي تنظيم سياسي في شكل حزب مدعوم من السلطة - وليس الدولة - ومهيأ له أحزاب منافسة علي أن تظل تلك الأحزاب تحت السيطرة



وما الداعي الي ذلك اذا ما كان السادات بطل الحرب والسلام ويحكم بشرعية إنتصاره بل والناس نفسها لا تفكر أصلاً في موضوع عودة الأحزاب الا بشكل ضيق جداً؟




الداعي من وراء هذا كله هو نفس الداعي الذي يحرص لأجله النظام المصري الأن علي الحزب الوطني ويحاول بأقصي جهده النفخ فيه وإبقائه منتصباً امام جموع المراقبين بالداخل والخارج ، السادات اختارته مجلة تايم الأمريكية شخصية عام 1977 وصار نجماً عالميأ لا يصح ان يحكم دولة بتنظيم ( إشتراكي) وحدوي ، وكذلك النظام الحالي وهو الذي لا يستند علي اي شرعية او شعبية او حتي إنجاز مقنع يطلب الأعضاء بشتي الطرق ويجتذبهم بإمتيازات الدولة - الجيب واحد بين الحزب والدولة - علي ان يعملوا له ( مقاولين أنفار ) يجمعون الناخبين حولهم وينجحون مرشحيه وبالتالي يؤمن حكومته من الأخطار



وقبلاً كان الأمر نسبياً يحمل شيئاً من الشرف ، فقد كان الإعتماد في غالبيته لترشيح النواب والعضوية في معظمه يكون علي ( الصلات العائلية) و كبار الكفور والنجوع  يشير هؤلاء علي من تحتهم من الشباب والرجال بالإتجاه و( المشي ) مع فلان مرشح الحكومة في مقابل علاقات متميزة للكبير مع كبار رجال الحكومة وخدمات تؤدي..والعاصم في هذا الإحترام للكبير ورؤيته وتنفيذ أمره ولو علي كره



وغني عن التعريف ان المسئول عن مثل هذا العمل الضخم والهام في عموم أقطار الجمهورية كانوا أشخاصاً من عينة الوزير كمال الشاذلي..فلم يكن يبالغ حين قال انه يحفظ عائلات وبطون مصر تفصيلاً في أحد حواراته ، هذا بالطبع الي جانب بعض المواهب الأخري!!ه



ومع تبدل الأحوال - وخاصة مع حلول السيد جمال مبارك عضواً في الحزب الوطني ثم أميناً للجنة جديدة سميت لجنة السياسات - تزامن هذا مع حركة تغيير واسعة ومتزايدة شملت أسس عمل الحزب بين الناس ، فقد دخل جمال مبارك الحزب ليس وحده ولكن معه طغمة من رجال الأعمال يساندونه في توجهاته الإقتصادية ومنهم تشكلت أغلبية لجنة السياسات  - والتي صارت مسؤليتها هي مراجعة قرارات الحزب كافة وتحديد السياسات التي ينبغي لحكومة الحزب ان تسير عليها خلال عملها...وهكذا صارت فوق الحزب والحكومة معا..وصار جمال مبارك فوق الكل



هذا داخل الحزب ، أما عن التعامل بين الحزب والناس فقد تأكلت قطعة الشرف الباقية لأن العصبية القبلية او العائلية لم تزل موجودة ولكن إحترام الكبار أنفسهم لم يعد موجوداً ، لما وجده الشباب لدي هؤلاء الكبار من تهالك علي المصالح والمال والنفوذ والإستئثار بكل هذا ليحافظوا علي مسافة كبيرة بينهم وبين من تحتهم فتسبب هذا في خروج الكثيرين من تحت عباءة الكبار والبحث عن مصالحهم الخاصة مع من يماثلهم سناً وتاريخاً في العمل السياسي ( وهذا كلام بشئ من التأمل يصدق علي أغلب مناطق الجمهورية لمن يحب التأكد )ه



وقد اختلف الجيل الجديد- او الفكر الجديد - عن الجيل القديم في نهجه في إغراء الناس بتأييد الحزب الوطني فبينما اعتمد المخضرمين قديماً علي المصالح والخدمات والعلاقات فقد انتهج الجدد النهج الوحيد الذي يفهمون ويبشرون به :  المال ، عليك ان تبذل الكثير من مالك للحزب اذا ما اردت القرب والرضا وتسيير أعمالك ، والمال يدور ويتجه الي مرتزقة يحشدون الناس بأكياس لحم ووجبات غداء وما الي ذلك

كانت احدي أماني ان يكون الحزب الوطني الديمقراطي مثالاً للحزب العملاق الذي يعطي مثالاً للأحزاب الأخري في كيفية العمل بين الناس وكسبهم الي صفوفه عن اقتناع وتوجيه أعداده الغفيرة في صالح المواطنين من أعضائه وغير أعضائه ، كنت أتمني لو دعا الناس الي النزول بأرض السياسة وممارستها بنظافة وحرفية وحماس مشاركين في صنع مستقبلهم فهو يملك القدرة علي فعل هذا ولكن للأسف ، قد صار هذا بعيداً وتحول الحزب الحاكم الي مسخ يستر مسخاً أفظع منه

أخيراً - واعتبروه خبراً - فإني أحب أن اعلمكم ان لجنة السياسات داومت خلال الفترة السابقة علي التقاط اللامعين من الأكاديميين والباحثين والخبرات في مختلف النواحي وضمهم الي اللجنة ليكونوا علي صدر أمينها ، وأحيطكم علماً انه جاري التوسع في مثل هذا الإتجاه واستهداف الأجيال الشابة من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات والمؤسسات وتوثيق صلتهم بالأمانة وأمينها الصاعد بقوة بما يعتبر توثيق خطوات مطردة نحو الإحاطة بكافة مؤسسات الدولة

Sep 19, 2010

أيام عصيبة ( الجزء الأول )ه

 الـــرئــــيس
بالطبع لابد ان نبدأ بالحديث عن اكثر مواقع السلطة في مصر فعالية وتأثيراً علي كل فرد في مصر ومصيره ، وليس خافياً كم النفوذ الهائل - والمثير للتساؤل - المتوافر للمنصب الرئاسي بمصر وبغض النظر عن الأشخاص والأسماء ، أتحدث عن النفوذ وليس الهيبة
BLANK

مصطلح انجليزي يعني القيمة المطلقة او التي لا تنطبق عليها القوانين وهي ابلغ تعبير يجمع في كلمة واحدة ويلخص المساحات الهائلة من وراء الرئيس المصري ، تخيل فكرة ان هناك شخص يعيش في بلدة لا يستظل بقانونها بل ولا يقاربه اصلاً ، يعاين الإنعتاق من سلطة كل القوانين وكل أوجه المحاسبة والمسائلة ويعتلي رقاب كل من يسن هذه القوانين ومن يحميها وينفذها ، بل ويكون له سلطان تثبيت من يشاء في مكانه ونزع المقعد عمن لا يوافقه ،  هذا فضلاً عن ان المصريين يكفلون لرئيسهم  (سلطة ) إصدار القوانين       و (نفوذ)  تمرير تلك القوانين ايضا !!ه


ان ما نتحدث عنه يمكن ان يكون مألوفاً حينما نتحدث عن الممالك وحكامها من الملوك ولكنه وضع يصير شاذاً في حالة دولة اختارت النظام الجمهوري- من سلطة الجمهور اي الشعب-كنظام للحكم بما فيه من انتخاب ديمقراطي وحر لرؤس السلطتين التنفيذية والتشريعية ومراقبة السلطة القضائية والسلطة الرابعة ( الإعلام)، اي ان التخلف الذي تكرس في المنطقة العربية مسخ النظام الجمهوري ليعود ملكياً مستبداً يملك ويحكم ويقصي ويقرب وينعم ويحرم ويكرس ويورث أيضاً !ه

وان كانت المراقبة المتأنية للأمر يقودنا الي نتائج تخالف السائد بين الناس في المطلق والذي صار مستراحاً ومرعي فسيحاً يطلقون فيه دواب أفكارهم الهوجاء بمنتهي الأريحية ، فالناس تظن ان صولجان الحكم المصري دوماً لا يجذب الا المتهالكين علي السلطة الجبابرة الظالمين الذين تجري كرات دم الفراعنة في عروقهم ويعتبر منازعتهم في سلطتهم هو الخبال بعينه ، وان الحال يقضي بتجنب الجبابرة وصراعهم الوحشي يزيح الأقوي منهم الأضعف وينجون هم بأموالهم وعيالهم!!!ه

والحقيقة ان مثل هذا الفكر ينبع من معين تخلف وإسفاف تفجر في أرض العرب منذ قرون وأن له ان يتنحي عن عقول أهل هذه البلاد والا فسيظلون يرون خسارتهم تتوالي وتطال كل عزيز لديهم ، وأول ما فارق هذا الفكر الأفاك فارق روح الإسلام التي ظهرت جلية في أول منظومة سياسية في ظل الأسلام وهي الخلافة الراشدة ، فقد توفي النبي المختار عليه الصلاة والسلام وذهب معه الظل النوراني للوحي والذي كان يجمع المسلمين من تحته علي طاعة نبيهم والإنصات لأوامر الله ونواهيه ولأخر مرة حتي نهاية الزمان ، وقبل وفاته لم يسم النبي عليه الصلاة والسلام خليفة للمسلمين لكن الناس وضعوا كثيراً من أحاديث النبي الي جانب بعض الأحداث الخ ليجتمعوا علي اختيار (أبي بكر الصديق ) رضي الله عنه وعلي كره منه ، وها هو نظام الحكم في الإسلام يوضع إطاره بواسطة ( أبي بكر) فيقول في خطبة توليته(  ايها الناس ..إني قد وُليت عليكم ولست بخيركم فإن احسنت فأعينوني وان أسأت فقوّموني ... أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم) كما ورد في السيرة النبوية لابن هشام

وهكذا فقد تمكنت الفطرة السوية التي فطر الله الصالحين من عباده عليها وإرتضاها لتحكم بين الناس وأجراها علي لسان أبي بكر من تحديد أسس الحكم السوي وتسيير شئون العباد ، فنص علي الشوري ومراقبة جموع الناس لوليهم وقيد طاعة ولي الأمر بطاعته للخالق وبتقوي الله في رعيته ، ولكن الأمانة نائت بحملها السماوات والأرض والجبال وحملها الإنسان بجهله ورعونته

كما أن هذا الفكر المتخلف السفيه قد فارق الفكر الإنساني القويم الذي أمرنا به بالسير في الأرض وتأمل سنن الأمم من قبلنا والبحث وان الحكمة ضالة المؤمن وسير الشعوب التي ذاقت الأمرين من الحكم الإستبدادي والحكم المتستر خلف قدسية الدين والضحايا كانوا بالملايين وبأشنع سبل الحياة والموت علي السواء 

 ومع هذا خاصمت أرض العرب الفطرة السوية والفكر الإنساني القويم وتنحي جموع الناس عن مسئولياتهم في مراقبة الحاكم وسبل اختياره ومحاسبته ، وبهذا فان اي شخص يقوده حظه الي كرسي الحكم وحتي وان كان ولياً من أولياء الله فان احتمال فساده وتحوله الي مستبد طاغية لن يكون بعيداً ابداً ، وما يزيد الطين بلة ان المصريين لهم قدرة عجيبة علي المشاركة في ( وضع اساسات الطاغية) بأيديهم ، فالانحناء لكل صاحب سلطة بمجرد ان يتسلم سلطته ومداهنته والتقرب اليه وخطب وده وإضفاء ما لا يحوزه من صفات وسمات   لان الميراث الفكري المتخلف ينظر الي المسئول علي انه ( ملك ) حكمه نافذ ولا رقيب عليه سوي نفسه وليس (خادماً) موكل اليه مهمة تسيير الأمور ووضعت علي عنقه سيوف الرقابة والمحاسبة والعقاب
  
إن هذا لا يضر في شئ بأكثر من نظرة الحاكم نفسه لمثل هذا الشعب علي انه ( تراث ) ومجرد دواب تدب علي الأرض ليس لها من إحتياجات او أحاسيس او حتي كرامة يحرص علي حمايتها وتوفيرها  ، باختصار فان الناس أنفسهم في ردود أفعالهم اللامبالية وتكأكؤهم علي مكاسبهم الشخصية وبيع العام في سبيل الخاص نجحوا في إيصال الحاكم لليقين بأنه يرعي مجموعة من الغنم  تتقي عصاه بخوف و تلهث خلف الحشائش ، حتي لو كانت تلك الحشائش مسرطنة!!ه

وهكذا وحين ينتبه هذا الشعب لما يحدث معه ويحاول ان يبلغ رسالة الي الحاكم مفاده اننا بشر ولنا كرامة ولنا احتياجات فليس من المتوقع ابداً ان يتكفل هذا بتغيير اليقين الذي تجذر لدي الحاكم لما يزيد عن الثلاثة عقود - وهو ليس ذنبه وحده بالطبع !ه - وحين يري الناس ان وجود مثل هذا الحاكم قد صار ثقيلاً عليهم ولابد من إزاحته فلابد ايضاً ان يحذروا من ان الأتي بعده بلا جدال سوف تتكرر معه نفس الدائرة المعتمة التي نتخبط بها جميعاً وخرجت بامتنا من التاريخ مالم يجتمعوا علي تغيير نظرتهم للحاكم من كونه ( ملك ) لكونه ( خادم) مؤتمن ومراقب ولا يعلو فوق المحاسبة

وعليهم ايضاً ان يفكروا في صفة المجتمع الذي سوف يستقبل اي مسئول بعد ان يترك منصبه ، فانني أزعم ان المواطن البلانك ومن اختارهم ليعاونوه قد قاسي الأمرين ليس من الفقر والجوع والحرمان ، لقد عاني أشد ما عاني من ( التسلط ) والذي هو مرض المجتمع العضال وخنجر يحمله كل فرد ولم يستطع القانون تحريم حمله ، فالناس في بلادنا مهرة في التسلط علي إرادات الأخرين ، عزيمتهم ، أعراضهم ، حرمتهم ، معتقداتهم ، راحتهم الخ
كل منا يمتلك هذا الخنجر وعنده دوما من يسلطه عليه ، دائرة لا نهائية من التسلط تستغل اي سلطة سياسية ،روحية ، معنوية لكي تتعاظم ألسنتها فتكوي من يقع في إسارها.. ومصيبتها تكمن في أنها تسبح وتتنقل من فرد الي أخر ولا تفني الا في نفوس المتقين وقليل ما هم

لا ينجو من مثل هذا المجتمع الا مواطناً يرمز للقيمة المطلقة.. ذاق معني الإنعتاق الحقيقي من كل السلطات والقوانين ، ومن تسلط اي متسلط  ووضعه قومه في قمة عالية لم يتصورها بشر لنفسه ،ولا يتصور ان يعود ليرسف في قيود تحرر منها قبلاً ،
هذا دونه الموت