اتقلب في الفراش وازيح الغطاء الثقيل عن رأسي وافتح عيني في عودتي للحياة من جديد وأتأمل السقف
ما هذا؟ عروق غليظة من الخشب تجري بعرض السقف حاملة مجموعات متراكمة طوليا من البوص والاخشاب وكل هذا قد تم دهانه كيفما اتفق بالجير اللبني ؟!!ه
اه فهمت انني في منزل جدتي لأمي ، اخر ما أذكره اننا كنا نزور (ستي ) بالامس ولابد ان النوم غلبني وفضلت أمي ان تتركني لدي (ستي ) حتي لا تخرج بي نائما في برد الليل بما يعجل بدور البرد الشهري المعتاد بالنسبة لي
انا اتضايق من المبيت خارج البيت خصوصا لو نمت بملابسي وجوربي ولكن ماذا سأفعل!!ه
وعمرو وحمادة وهشام ماذا يفعلون الان؟
من المؤكد انهم سيسألون علي في البيت ولن يجدوني وسيلعبون بدوني!!ه
احسن !!ه فرصة كي يعرف حمادة قيمتي ويتركني العب (عصفورة )معاهم لما نلعب صياد السمك
الجو اليوم دافئ ويشجع اللعب ،أزيح الاغطية الثقيلة وأحاول النزول بحرص من علي الفراش (لماذا الفراش هنا عالي هكذا؟) وابحث عن الحذاء اسفله ،ارتدي الحذاء وأخرج في تؤدة باحثا عمن يربط لي الرباط!!ه
خالتي الصغري في صحن الدار تفرغ كل القلل علي ارض الدار الطينية وتعيد ملئهم ووضع اعواد النعناع في افواههم
انها غير ملتفتة لي اصلا!!ه
لا يهم ، ايمم وجهي شطر عمق الدار الريفية ذات الجدران المشيدة من الطوب االلبن والابواب الخشبية ذات الرسوم المفزعة !!ه
سكون ،ه
سكووووون ،ه
سكون غريب لا يقطعه سوي دقدقات مكتومة تأتي من عمق الدار
اخطو الي الداخل بخطوات متمهلة لأطلع علي سر الدقدقات المكتومة الاتية من الداخل
اقف علي الباب الذي يفصل بين الدار الخارجية والداخلية والتي يوجد بها مبيت الطيور والفرن الطيني والذي امامه جلست خالتي الاكبر قليلا من سابقتها تدخل عجينا مفرودا يمضي عليه بعض الوقت لتقلبه بعصا حديدية لفترة اخري قبل ان تخرجه والعرق يغرق وجهها
اما (ستي )فقد أخذت (تبطط ) العجين فتتصاعد هذه الدقدقات المكتومة التي اثارت عجبي منذ قليل ثم تناول ما فردته لخالتي التي بين الحين والاخر تميل الي كومة من القش لتأخذ منه حزمة وتضمها الي بعضها في حنكة ثم بحركة خبيرة ترمي بها الي النار ليشتد اوارها
فين ماما؟
هذه كانت مني طبعا وبالطبع ليس عن جهل بالاجابة ولكن فقط لأعلن عن وجودي وانني استيقظت
اهلا اهلا!!ه
هذه كانت من خالتي امام الفرن تبعها صوت خالتي الاكبر منها -الثالثة -وهي تصعد السلم الطيني المؤدي للسطح فتوقفت لدي سماعها صوتي ثم نزلت جريا وهي تنشد بصوت منغم المقاطع وتمط مقطعه الاخير
صباح الخير يا شمس الضحية
يا قمر الليل
يا جبنة طرية
اضحك واجري وهي تجري ورائي
تعطيني ( ستي )رغيف ساخن من الخبز وتطلب مني ان اتجه الي طاجن اللبن الزبادي الموضوع في الركن
* * *
اطلب ( بريزة )لاشتري جيلاتي من عند شهاوي بالطبع سيمنعوها عني لان هذا مفضي في مثل هذا الجو الي التهاب مضمون لللوزتين ولأن المطلوب ليس قليل!ه
اصر واغضب فتعدني خالتي ان انا سكت فانها سوف تخرج بي للطريق بعد العصر لنتريض
هكذا تتمكن من اسكاتي دائما بما لا استطيع مقاومته !ه
* * *
تخرج بي الي الطريق الاسفلتي الواصل بين المدينة وبين القري المجاورة
تمر ربع الساعة علي الاقل حتي تمر سيارة علي الطريق الممتد بين حقول خضراء ممتدة علي مرمي البصر تخلب الألباب بلونها ونسيمها رحيق الحياة
سكون ،ه
سكووون،ه
سكون غريب وجميل لا يخدشه الا صوت بعيد لماكينة ري او حتي نهيق لحمار مستمتع بالجو من حوله او حتي زقزقة عصفور يؤب لعشه بعد رحلة كفاح طوال النهار
اتمشي بجوار خالتي علي الطريق وبجانبنا شاطئ الترعة الي ان نأتي للبقعة التي عندها يتقافز قلبي ، محض عظام وبقية حيوان ميت ملقاة علي الشاطئ تحكي خالتي انها عظام حمار وكلب معا كانا لأحد المزارعين ويروحان ويغدوان معه الي ان مرض الحمار ومات فألقيت جثته هنا ولاحظوا ان الكلب من بعده امتنع عن الطعام ثم عن النباح ثم عن الحركة الي ان لحق برفيقه فأشارت ابنة المزارع ان يلحقوا جثته ايضا برفيقه!ه
استمع الي كل هذا للمرة العشرين ومع ذلك يجتهد العقل الذي لم يتم عامه الخامس في هذه الدنيا في تصور حمار وكلب يعدوان سعيدين وراء بعضهما في الحقول ثم صورة حمار مريض منهك وكلب بجواره حزين ثم صورة كلب ساكن مكتئب لا يعرف للدنيا سبيلا بعد موت صاحبه
وأظل في تصوراتي هذه الي ان يغيب الضوء
الضوء!ه
الضوء الاتي من هذا المصباح البراق يضايق عيني ّو لا استطيع معه رؤية الاوراق التي بها ما اتفق عليه هؤلاء السادة بتحفزهم وربطات اعناقهم اثناء شرودي
أدور بنظري لأستقرئ وجوههم ولكأني أراهم لأول مرة ثم تغافلني ابتسامة لتصعد علي شفتيّ دون ان ادري متعجبا من مسارات الأقدار وحين يسألني مديري:ه
علام تضحك ؟ هل تطلب اي تعديل ؟
أرد عليه وابتسامتي تتسع:ه
نعم ، اريد بريزة!!ه