Dec 28, 2008

عن عام مضي علينا



إنه العام يجود بأخر أنفاسه ، ولم يكن لأدعه يمر دون ان أستوقف نفسي وأسألها :ه


ماذا فعلت بأنعم الله ؟


وبعيدا عن حسابات الربح والخسارة والقرب والبعد والدروس والمقاصد هناك شئ يخص المدونة أخذ كثيرا من مساحتها دون ان أوضح المقصد منه ولا ينبغي ابدا ان اترك العام يلم ذيوله دون ان اشرح المقصد حتي لو تبين لي في النهاية اني ما كنت أخاطب سوي الريح


في اكثر من دستة من التدوينات علي مر اكثر من اثني عشر شهرا قصدنا ان نشير الي التيارات السياسية الغالبة بحضورها علي الساحة السياسية المصرية في الوقت الراهن ، توضيحا باختصار غير مخل للأفكار التي ترتكز عليها تلك التيارات ؛ تاريخ نشأتها ؛ اسهاماتها علي الساحة السياسية وما لوحظ عليها من تقصير في أداء مهماتها بعين حاولت تقصي الحياد والموضوعية قدرما استطاعت


ولم يكن هذا فيما أري استعراضاً ساذجاً للمعلومات او حيرة في مساحة لا تجد ما يملأها من كلام او نحو ذلك ، لم يكن كل هذا الا احساساً عميقاً بالمسئولية ممن رأي بعينيه بشاعة الهاوية التي يتردي فيها أهله ومجتمعه فلم يملك الا ان يصرخ منبها جهد صوته


ولأني لا أريد هذا التدوين طويلاً خطابياً بقدر ما اتمناه كاشفاً فقد أوثر هنا ان انتقل الي مجموعة الحقائق التي ارتكزت عليها في كتابة مثل هذه التدوينات

أولها أن مصر ليس لها من دور او مكانة او منزلة في المجتمع العالمي دون

ان تمر علي طريق التنسيق مع اخوانها العرب وقيادتهم نحو دور عربي فاعل ، وذلك يظل صحيحا حتي لو تحدثنا بلغة المصالح لا الوازع الديني والتاريخي والأخلاقي والتراث المشترك و و و الخ

وثانيها ان نظام الحكم في مصر لم يعد ملائما للمجتمع المتنامي في مصر

ولا مواكبا للتطور الذي يفيض علي جنبات العالم

ولا حتي ملبيا للحد الأدني لأحتياجات قاطنيه لم يعد يناسب سوي حكامه فقط !!!ه


ثالثها ان نظام الحكم في مصر لا يبالي الا لما يسهم في ثبوته فوق الكرسي ولا يهتم بتنمية شعبه ولا احتياجات المستضعفين من الشعوب المجاورة ويعتبر مثل هذا كله من قبيل الرفاهية التي لا يري لها لزوم او فائدة ما انفكت الفائدة لا تعود اليه

رابعها أن نظام الحكم في مصر يستند بما لا يدع مجالا للشك الي المؤسستين الأمنية والعسكرية لا الي شرعية تنبع من ارادة شعبية وهو ما يفضي الي الاعتقاد الراسخ بأن الحكم العسكري القدري سوف يخيم علي مقدرات مصر لفترة طويلة تستهلك أجيال كثيرة ولن تكون رهنا برئيس واحد او اثنين
خامسها ان الحكم العسكري غالبا ما يكون مقترنا بضعف القوي المدنية في المجتمع من احزاب سياسية او قوي اجتماعية او تيارات فكرية او منتديات ثقافية الخ ، فيتقدم السلاح ليملأ الفراغ الذي يخلفه المجتمع بتنحيه عن العمل المدني وتنمية روحه ، فاذا ما كان الحكم العسكري غير امين فسيقصد الي المحافظة علي حالة التردي في العمل المدني حتي يصل الي القاع لأن هذا يعطيه نسائم الحياة والبقاء في سدة الحكم
سادسها أن الواقع المتردي الذي تعيشه مصر لا يعود في رأيي بشكل مباشر الي غياب الديموقراطية بقدر ما يعود الي غياب ( الوعي بأهمية الديموقراطية )وهذا للأسف له تفاصيل كامنة في شخصية كل منا لا تجعله يؤمن بالأليات التي يفرضها الأسلوب الديمقراطي لتداول الحكم

ومراقبة السلطات والفصل بينها وضمان المساواة والعدالة في الفرص والواجبات والضرب علي يد من يحاول الخروج عن النظام الخ

سابعها أن المعارضة من أقصي اليمين الي أقصي اليسار ونتيجة عوامل كثيرة أصيبت في صلب أولوياتها وأفكارها بنوع غير هين من التشوهات وهذا سبقه بالطبع غياب القيادات القادرة وشروع السلطة في اقامة الحواجز بين التيارات السياسية والشعب حاجزا تلو الأخر الي أن وصلت هذه الكيانات في الزمن الأخير الي حالة غريبة من العجز والتخبط والتشتت أصبحت


في معظم الأحيان مدعاة للعجب والشفقة ، بعدما أثارت الإحتقار في أحيان سابقة

ثامنها أن الذين قاموا بشحذ همتهم والتقدم بجرأة لأخذ خطوة علي طريق الألف ميل المقرر للإصلاح وجدوا أنفسهم أمام طوفان سلطوي عتيد وأزيحت كل إجتهاداتهم جانبا ووطئت بالأحذية بل وطوردوا هم ومعاونيهم وأدينوا في قضايا يعلو الغبار صحتها وللأسف لم يجدوا أي حماية او حتي صدي لأصواتهم التي بحت لدي الشعب الذي كانوا يدافعون عن حقه

تاسعها ان هناك من الأجيال جيل لن يصمت إزاء كل الهوان الذي يلاقيه وسوف يعبر عن إرادته الحرة في وجه أعتي العتاة دون اي شائبة خوف أو وجل ، سوف تكون أرواحهم نقية لم تلوثها المحسوبية والرشوة ولم يدنسها التقاتل علي دنيا حقيرة ومعيشة هي لمعيشة البهائم أقرب


جيل سوف يتيقن من إنسانيته ومن حقه في فتح طاقة ليفيض بنوره علي مشارف الأرض ويقيم ميزان العدل ، ميزان الله الواحد الأحد ، وهذا الجيل للأسف لن يملك الا ان ينظر للأجيال التي سبقته بكل إحتقار كنظرتنا نحن لمن خضع قبلا من اهلينا للمماليك والعثمانيين وسوف ينظر بكل إكبار لأجيال طعمته بالكرامة والرقي وحب الحق والخير والجمال كنظرتنا نحن للذين طردوا الفرنسيين و الإنجليز والصهيونيين من بعدهم

وأقول بأني أحب أن ينظر اليّ ابني بإكبار لا بإحتقار ، يكبر فيبرني بدلا من ان يعقني وعيناه مليئة باتهام صامت لي وأترابي بأني قد سلمتهم راية مدنسة ، لا منكسة

عاشرها أنني لا أجد مانعا بأن نكون نحن من يطعم أبنائنا قيم الحق والخير والجمال ما دمنا قد تلوثنا بالوساطة والمحسوبية والفساد ، وعلي هذا فإنني أشدد بقوة علي النصيحة التالية:ه
تجمـــعـــــوا
إن الذئب يأكل من الغنم القاصية لذا فإذا انتويت الحركة فلا تتحرك وحدك ، حدد أفكارك ومرجعياتك وأذهب الي من تشعر انهم يوافقونك عليها
إن يمين ليبرالي فيمين
وإن يسار إشتراكي فيسار
إجلس معهم أفضي اليهم بما في عقلك وأصحب معك كل من أستطعت
فكر مع كل من حولك في الحزب ، في النادي ، في الجمعية ، في المنتدي ، في الشارع ، في الكلية ، في المدرسة ، في المكاتب
في كل مكان ، فكر كيف تسقي القيم لمن حولك وتعمم الهم فلا تجد له أثرا وتؤصل قيم العمل الجماعي وقبول الأخر واحترام حقه
فكر في استثمار التنوع لا إخفائه كأنه ذنب
أدخلوا الي هذه التيارات فاغسلوها مما علق بها وأعملوا علي إقامة حياة سياسية صحية سليمة يعبر فوقها أبنائنا الي مستقبلهم ، ولا تتركوهم للطوفان
***************************
ملحوظة
ألا تستحق منا مصر - ومن بعدها فلسطين الذبيحة - أن يفرد كل منا لديه تدوين في وقتنا هذا يناقش فيه ما يستوجب علينا فعله بكل شفافية ويحض زواره علي هذا أيضا لتتسع الدائرة

Dec 10, 2008

في قطار الليل


وماذا عن القطار؟

سؤال لم يدر في بالي منذ زمن ، في تنقلي بين القاهرة و( البلد ) بانتظام -والمستمر منذ قرابة الثماني سنوات بنجاح ساحق - لم ألجأ لاستقلال السيارات الأجرة الا منذ ما يزيد عن العام حين تدهور الأداء في السكك الحديدية بما لا يقاس وبما أجبرني علي ترك القطار لعربات الأجرة او البولمان

في ذلك اليوم مررت بميدان عديم الإسم الأن - رمسيس سابقا - وكدت ان أمر بمحطة مصر لا مباليا ككل مرة الا ان هناك الكثير والكثير جدا دفعني لأن أذهب لحجز تذكرة في القطار وأبدأ الطقوس المحببة لي في كل سفرة:ه

التلكؤ في السير اثناء عبور صحن المحطة ، تأمل القادمين الي العاصمة والمغادرين لأرضها ، مراقبة الحمالين والمحصلين و أفراد الأمن ، المرور علي كل كشك للصحف واستعراض كافة العناوين والمفاضلة بين الصحف في محاولة لتخير إحداهن لتتحمل بمحتوياتها الساعات الثلاث التي سوف تكون تحت رحمتي خلالها ، العبور الي رصيف الصعيد ( رصيف رقم 11بالذات) وتأمل ابناء الجنوب المنتظرين لقطارهم ، شراء كوب من الشاي ( لست من هواته لكن تقاليد السفر تقتضي ذلك !!)ه ، الخ الخ


انا اليوم قد جئت طائعا مختارا متحملا لكافة النتائج التي قد تحدث نتيجة قراري بنفس راضية وضمير مستريح


تسألون عن هذا الذي قد يحدث ومدي سوءه؟


الموضة الأن في محطة مصر هي ضعف احتمالية وجود ( جرار ) للقطارات صالح للقيام بها ، وللأسف لن تعرف هذا من عدمه الا بعد ان ينقضي ميعاد القيام بنصف ساعة مثلا وانت جالس في قطار مصاب بالتصلب فتضطر للسؤال ، ويكفي لتعرفوا تبعات هذا القرار ان أخبركم ان أخر مرة جئت لأركب فيها القطار ابتعت التذكرة في الرابعة مساءا ووصلت المنزل في الثانية بعد منتصف الليل!!ه


لكني اليوم في حالة نفسية جميلة جعلتني انسي كل الإساءات وأصر علي مقابلة صديق قديم


لا اعرف كيف أوصل اليكم الفكرة لكن القطار يشغل جزءا كبيرا جدا من تكويني منذ الصغر ، حملت ودا كبيرا لعرباته وجراراته ومقاعده ، مصابيحه في بعض الأحيان محطمة لكن ابدا لم أكرهه ، زجاجه لم يكن يغيب الا في الشتاء ولكني ابدا لم أفقد الثقة فيه ، نشأت وبيني وبينه معرفة عميقة جدا ، وأخذت العلاقة منحي جد مختلف حين بدأت سنوات الدراسة بالجامعة ، كان موجودا دوما في صورة حسنة وجاهز يوميا لحملي للعاصمة

كان دوما هناك ، حين كنت أدخل القاهرة لأول مرة طالبا في الجامعة كان هناك في محطة مصر مثل الأب الذي يمد يده ليدفع بابنه في البحر ليتعلم السباحة وهو يرسم علي شفتيه ابتسامة مشجعة دارت ورائها كثيرا من الحنان ، وحين كنت ضيق الصدر بما كنت الاقيه في الكلية من عنت كان ايضا هناك يهدئ من روعي بانتظام سيره ونعومة حركته وهدوء إضائته ، وحينما كان كل الناس يقضون اعيادهم او يلتفون حول التلفاز مستعينين بالدفء العائلي علي برد الشتاء او يخرجون الي الحدائق ليتنسموا الهواء هروبا من الحر الخانق كان هو يحملني علي كفله عالما اني لم أدع مثل هذا كله الا لامتحان مريع فيبالغ في جريه وهو يحملني وتتقافز عرباته فوق القضبان بما ينتزعني من علي مقعدي وينتزع الضحكات من قلبي رغما عني

اتخذت مقعدا مناسبا وظللت لساعة كاملة أقلب الجريدة بين يدي دون ان أري كلمة واحدة علي صفحاتها ، دارفي عقلي شريط سينمائي تتلاحق مشاهده تحكي عن الثماني سنوات الماضية بسرعة البرق

بين جنبات القطار تجمعت وأقراني نتعرف من بعضنا علي ما ينتظرنا في هذا البحر الهائج متلاطم الأمواج المسمي
بالعاصمة


وبين جنباته فاض الحنان والسعادة من قلوبنا ونحن نلمح الناس علي الجنبين تعلق الزينة حين أقرت دار الإفتاء ليلتها
بقدوم شهر رمضان

وبين جنباته أيضا لجأت الي ( معاكسة ) احدي الجميلات - رغم انه ليس من طباعي - فقط لفك توتر كان يحيق بنا بسبب
امتحان بعدها

وبين جنباته ولد حلم حاولت ان اسهر عليه بالرعاية واعطيه من روحي لكنه تمسك اكثر بطبيعته كحلم قد يراود بين الفينة والأخري لكني تيقنت أنه
لن يتعدي كونه حلما

وبين جنباته كتبت قصيدة ( .........
في ربع الساعة حين جلست أمامي تلك الجميلة وكاد
الفضول ان يقتلها فقط
لتعلم ماذا اكتب!!ه


وبين جنباته تبادل الركاب التهاني بالعيد بعد ان استمعوا الي الخبر في الإذاعة وترامت الي مسامعي كلمة جميلة هي ( كل سنة وانت طيب ) كنت أعرف انها تداري خلفها
ما هو أكثر


أحلام تلو أحلام وكلما أنال حلما كنت أعود اليه منتشيا سعيدا لأشركه معي في نجاحي ، وكلما كنت أقبض علي خيبة الأمل أجده في انتظاري فيحتويني داخله ويستمع الي بكل تمعن
ثم يبدأ فاصلا لتسليتي

*****************************

والأن فان الأب قد نال منه المرض ، لم يعد ليقدر ان يرفع يده يدفع بها ابنه فوق الأمواج

لم يعد ليقدر ان يرسم حتي ابتسامة مغتصبة علي وجهه

لم يعد يقوي حتي علي فتح عينيه

****************************
وأنا لا أدري ماذا أفعل ، كل ما أستطيعه هو استرجاع الأطياف والمشاعر والكلمات
لعل وعسي