لا أدري من اين أتتني الجرأة لأكتب عن فيلم لم أره الا منذ ساعات قليلة ولمرة
واحدة فقط ودون عميق التأمل في عناصره ودون حتي الإطلاع علي رأي أي من نقاد السينما او حتي الأدباء لأسترشد برؤيته واستفيد من وجهة نظره
الفيلم هو بالطبع ( دكان شحاته ) والذي بدأ عرضه للجمهور يوم الأربعاء عشرين مايو قصة وسيناريو وحوار ناصر عبد الرحمن واخراج خالد يوسف وبطولة محمود حميدة - عمرو سعد - عمرو عبد الجليل - غادة عبد الرازق - هيفاء وهبي
بدأت الدعاية للفيلم منذ عيد الأضحي الماضي ومر الفيلم بأزمة مع الرقابة ولم يفرج عنه الا من جهات أمنية وقبل ميعاد العرض للجمهور بأيام معدودة
والحق أنني أطالب ببعض الغفران من قبلكم علي تعجلي التدوين عن الفيلم دون طول تأمل فيه أو اعطائكم فرصة للتأمل فيه ولكن أعدكم بأن أحاول عدم إفساد المشاهدة عليكم إذا ما تحدثت عن عناصر الفيلم واحداً بعد الأخر
الأداء التمثيلي
المفترض أن نبدأ الحديث عن ( الورق ) ولكن لدواعي معينة سنكشف عنها
سوف نؤخر الحديث عن القصة والسيناريو لأخر التدوين وسوف نبدأ بالأداء
التمثيلي ، القصة لرجل صعيدي - محمود حميدة - يستقبل مولوده الأول من
زوجته الثانية والتي تقضي نحبها بعد ولادته فيعود بالوليد - شحاته - الي القاهرة
حيث ترك أولاده الثلاثة في مقر عمله كجنايني في فيللا أحد الارستقراطيين ، تتباين ردود أفعال أولاده تجاه أخيهم الوافد وبنما يفيض عليه أبوه بمحبته وحمايته يسبغ عليه
إخوته الرجال القهر والتحكم ثم يرتب صاحب الفيللا للأب ملكية ركن في حديقة الفيللا ليحوله الي محل فاكهة يتعيش منه هو وأولاده ويكتب الأب اسم (شحاته) الإبن الأصغر علي اللافتة تيمناً وان كان هذا يزرع الحقد في قلب أخويه و( شحاته ) نفسه يعمل معهم مثل الرقيق لإرضائهم دون فائدة
كان الفيلم مباراة رائعة في التمثيل سواء بأداء المحنك محمود حميدة أو عمرو سعد الذي يعيد اكتشاف نفسه أو غادة عبد الرازق التي نجحت في توصيل المشاعر أغلب الأحيان
هيفاء وهبي - في دور بيسة - لا أملك الا أن أشيد بإجتهادها في الأداء حسبما
استطاعت كأول دور تمثله ، وان كانت نبرات الصوت ( تهرب ) منها في بعض المشاهد مما قطع تدفق البث منها للمشاهد
أما عمرو عبد الجليل - في دور كرم شقيق بيسة - فرغم كونه نسمة منعشة حلّت بالفيلم تهب مع كل مشهد يظهر فيه الا أن دوره كان صورة طبق الأصل من دوره في فيلم" حين ميسرة "ولهذا العنصر لنا عودة حين نتحدث عن الورق
الإضاءة
لم يكن هناك أي تفعيل للإضاءة في الفيلم أو إعطائها أي دور بل علي العكس مثلت الإضاءة أخطاء محرمة في بعض المشاهد مثل الإيحاء بأذان المغرب أو صلاة المغرب في رمضان بينما الشمس واضحة صريحة تنبئ بأن الوقت عصرا!!هً
المونتاج
بشكل عام فإن المونتاج كان جيداً ويعرف متي ينتهي المشهد بالضبط في أغلب الأحيان واعتمد المخرج علي الخدع البصرية في الانتقال من مشهد لأخر بحيث يستشعر المشاهد تلاحق الأحداث ويتجنب ترك الفرصة لأن يتسرب الملل الي المشاهد
الموسيقي التصويرية
الفنان يحيي الموجي هو من وضع الموسيقي التصويرية للفيلم وقد جائت دون تيمة واحدة مميزة ولا يتذكر المشاهد ولا تابلوه موسيقي واحد قد يظلل اي مشهد
الأغاني
الفنان أحمد سعد هو من أعتبره بطل الفيلم دون منازع من ممثل أو مخرج سوي الشاعر جمال بخيت فالأول قد لحن وغني أشعار الثاني بمنتهي الحرفية وبتدفق شعوري هائل ظلل المشاهد بظلال أسطورية تتلون بكلمات من مثل " مش باقي مني غير شوية ضيّ في عيوني " الي أخر قصيدة بخيت الطوفانية
القصة والسيناريو والحوار
ناصر عبد الرحمن هو صاحب الورق في فيلم " دكان شحاته " وقد سبق أن ذاع صيته مع عرض فيلميه " هي فوضي " و " حين ميسرة "وقد ظهرت كتاباته علي الشاشة كسطور يخطها مهموم بالهم العام ويستشعر خطرأً كبيراً علي مصر سواء من التغول الأمني في الأول أو العشوائيات وأطفال الشوارع في الثاني أو الوضع المتأزم ككل في فيلمه الحالي
وبالطبع فلا مانع بل ويندب للكاتب أن يربط كتاباته بقضية مجتمعية ويعطي الفرصة لأعماله أن تضئ للناس مناطق غائمة ولكن دوماً ينبغي أن يكون موجهاً بموهبة الكاتب وحسه والا تسرب العمل من بين أصابعه وهذا هو ما حدث بالفعل - في رأيي المتواضع - في فيلم " دكان شحاته " حيث عمد السيناريست الي أسلوب المقابلة والإقتران بين حكاية إجتماعية لشحاته الذي يموت أبوه فيهضم إخوته حقه ويسجنونه وبين وقائع العقود الأخيرة في مصر للنظام الذي قبض علي الحكم ولا يتورع عن فعل اي شئ لئلا يترك مقود الدولة ولا تؤثر فيه الكوارث المتوالية ولا المنحدر الكارثي التي ينحدر بنا عليه
واستخدام هذا الأسلوب أبداً ليس عيباً وقد كانت له سوابق لامعة مثل فيلم " القاهرة 30 " و " يوميات نائب في الأرياف " وفيلم " طيور الظلام " ولكن كما قلنا فقد كان حس السيناريست وموهبته هما الضامن في كل مرة بينما تحول فيلم" دكان شحاته " في يد ناصر عبد الرحمن الي خرقة مهلهلة لا تمت الي فن السيناريو السينمائي بصلة بل التبست فيه رسالة السينما برسالة " الفيلم الوثائقي " ورسالة "نشرة الأخبار " ورسالة أي منشور يوزع في مظاهرة من مظاهرات حركة " كفاية " وهذا ليس فيه اي تعدي علي حركة " كفاية " بقدر ما هو اعتراض علي التباس الرؤية لدي السيناريست ناصر عبد الرحمن ككاتب ناصري متحمس لا يستطيع السيطرة علي انفعالاته اثناءالكتابة!!ه
وبعيداً عن مثل هذا العنصر الذي قضي علي الفيلم - من وجهة نظري - فان عبد الرحمن لم يأت بجديد في أشياء كثيرة جداً ومن بينها شخصية كاملة هي شخصية ( كرم غباوة ) الذي انتزعها كما هي من فيلم " حين ميسرة " بكل صفاتها وأسلوبها المضحك في الحديث وإختياراتها بل وحتي الممثل الذي أداها - عمرو عبد الجليل - في الفيلمين ولا أدري ما تأثير هذا علي وزن ناصر عبد الرحمن كسيناريست لأخر أفلام يوسف شاهين والمفضل لدي أحد أهم مخرجي العصر في مصر ، خالد يوسف
الإخراج
لا تفسير قد يعرّف بعمل المخرج أكثر من الذي يقول بأنه الشخص الذي يعمل كالنحلة بالإنتقال بين زهرة الورق وزهرة التمثيل وزهرة التصوير وزهرة المونتاج وزهرة الصوت وزهرة الموسيقي الخ الخ ومن رحيق هذا كله يخرج لنا الفيلم كقطرات من العسل مسئول هو عن جودتها مسئولية كاملة
وبالنسبة لخالد يوسف فهو قد أثبت موهبته قبلاًَ بما يجعل الكلام عنه دون داع ، وأزعم أيضاً أن أغلب عناصر الإخراج في فيلم " دكان شحاته " كانت جيدة وبان فيها الإجتهاد ولكن خالد يوسف قد كرر نفس الخطأ الذي سبق في " حين ميسرة " وانساق خلف ورق متواضع لناصر عبد الرحمن بدافع من تحمله للهم العام وأيضاً لأنه هو الأخر ناصري الهوي وضمن المؤسسين لحزب الكرامة الناصري - تحت التأسيس - وكان معه يوسف شاهين أيضا ضمن صفوف المؤسسين وبالنسبة لي فهو يتحمل نفس المسئولية مع ناصر عبد الرحمن ولنفس السبب وهو عدم السيطرة علي النفس وتوجيه الشعور أثناء الإختيار
في الختام أعتذر عن عدم الإعدادالكافي للتدوين ومشاهدة سعيدة