Nov 24, 2008

عمارة يعقوبيان ..تدوين متأخر !!ه



هذا تدوين قد تأخر بالفعل اكثر من عامين اي من قبل ان تولد المدونة نفسها ولكني اعتقد ان هناك من الأسباب الكثير مما يستحق من أجله هذا الفيلم ان يظفر بتدوين علي مدونتنا المتواضعة ، قد يكون هذا للزخم والجدل الشديدين اللذين اثارتهما الرواية نفسها- وهي النص الأدبي للفيلم
او مثلا للمعالجة السينمائية المقتدرة للخبير وحيد حامد او للسحر الذي يشع من منطقة وسط البلد وكذا الغموض المثير الذي يلف أرجائها او لأنه من الصعب ان تكون هناك مدونة باسم ( وسط البلد ) ولا تدون عن فيلم ( عمارة يعقوبيان )!!ه ،قد يكون لأحد هذه الأسباب او كلها او غيرها لكن التدوين اليوم عن النص السينمائي ل( عمارة يعقوبيان)ه
تعريف بالأصل الأدبي
الأصل الأدبي للفيلم هو رواية للأديب وطبيب الأسنان علاء الأسواني ،وبالطبع انا في حل من اعادة كل ما حفلت به المجلات والمواقع عنه ابان وبعد عرض الفيلم ، اود فقط في هذه السطور ان ابرز ملامح كتابة الأسواني التي انطبعت علي الفيلم ومضمونه ، الأسواني في كتابته يعشق التفاصيل ولا يتركك دون ان يوصل لك المشهد وخلفيته وما يكتنفه من مشاعر دون ادني مشقة عليه او علي القارئ ولذا عليك ان تنتبه للمجهود البالغ الذي بذله السيناريست وحيد حامد في تضمين المشاهد لهذه التفاصيل ، كما ان ابرز ملامح المضمون الأخلاقي عند الأسواني هو ( حنانه ) غير الغريب علي شخصياته واصراره الدائم علي ان ابعاد الشخصية ليست احادية ولن يفيد ابدا تصنيفها الي شخصية خيّرة و اخري شريرة والحرص الدائم علي تأمل الظروف التي احاطت بالفعل وأفضت اليه قبل الحكم علي الفعل نفسه وجلد فاعله ، وللعجب ففي الوقت الذي كان فيه كل الكتّاب والمثقفين يتهافتون علي ادانة سلوك الجماعات الأسلامية وظروف نشأتها كان النص الأدبي ل( عمارة يعقوبيان ) يعيد طرح المسألة طرحا مغايرا شجاعا سبح لسنين عديدة ضد التيار قبل ان ينتبه الناس اليه

النص السينمائي

في برنامج ( ستوديو مصر ) وقبل عرض الفيلم بأشهر صرح السيناريست القدير وحيد حامد انه تجاوز عن مبدأه في عدم قبوله لكتابة سيناريو لقصص اخرين لمرتين اثنين : المرة الأولي كانت في قصة احسان عبد القدوس ( الراقصة والسياسي ) والمرة الثانية كانت لرواية علاء الأسواني (عمارة يعقوبيان) وفسر هذا بخوفه علي الرواية من اي سيناريست غير محترف من ان ( يحطم اسنانها ) بنص كلامه ، كان وحيد حامد علي قدر المسئولية بشكل كبير وظهر السيناريو مزودا بلمسات حرفية عالية تفوقت وسمحت لنفسها ان تضيف وتحذف من النص الأصلي دون ان يختل المضمون الأدبي او الشكل السينمائي ، وبالطبع غني عن الذكر ان نقول ان ما جعل السيناريو يظهر بهذه الدرجة ان وحيد حامد كان يكتب الفيلم وهو يعلم ان مخرجه هو ابنه مروان في عمله السينمائي الأول الذي سيظهر به علي الناس ولذا فقد كان النص السينمائي المكتوب الخاص بالمخرج كان مليئا بتفصيلات وتعليمات وملاحظات وتوجيهات - ونشرت جريدة الدستور مقتطفات من هذه النسخة - افادت بالفعل المخرج الشاب في اظهار عمله بمثل هذه الصورة البديعة
اعتمد وحيد حامد في النص السينمائي علي البدء باتخاذ ( عمارة يعقوبيان ) كمبتدأ ومظلة يجمع تحتها كل الأبطال ثم أثر ان يسير مع كل بطل علي حدة في شكل دورات تبدأ بحكاية ( زكي الدسوقي ) ثم ( محمد عزام ) ثم ( طه الشاذلي ) وهكذا الي ان تعود الدائرة لتبدأ من جديد
وان كانت هنا نقطة ضعف واضحة في السيناريو وهو ان المكان الذي سمي العمل باسمه ويستظل به اغلب الأبطال لم يظهر سوي مرات قليلة جدا خلال السيناريو ابرزها مقولة ( زكي الدسوقي) امامها وهو ثمل ( انا اقدم واحد في العمارة دي ، اقدم واحد انا ، قضيت فيها احلي ايام عمري )وسوي ذلك كان الوجود شاحبا لمجتمع العمارة كله خلال السيناريو ، وهو ليس تعصبا فبمقارنة بسيطة مع اعمال مثل افلام اعتمدت علي اسم مكان مثل (بين القصرين ) او ( زقاق المدق) او حتي (بنات وسط البلد )سنري ان المكان دوما ما يكون حاضرا متداخلا مع الأحداث وهو ما توقعناه في ( عمارة يعقوبيان ) حتي عن طريق استبدال المونتاج بالقطع بالأنتقال الناعم من شخصية الي شخصية وليس لدقيقة واحدة فقط في بداية الفيلم في العرض الذي بدأ ب( زكي الدسوقي ) يخرج من العمارة التي يسكنها في ممر بهلر مرورا ب(محمد عزام ) وانتهاءا ب( حاتم رشيد ) الصحفي بجريدة لو كير ، هذا كان اسلوبا ناجحا جدا وينم دوما عن حرفية في التنفيذ لكنه للأسف لم يستمر
المنظومة السينمائية ( عمارة يعقوبيان )ه
كان من ضمن الأسباب التي حمدت لها تأخري في التدوين عن الفيلم هو أخذ فرصة للفكاك من بريقه لدي عرضه وفرضه من قبل الشركة المنتجة ليكون ملء السمع والبصر لتحقق اعلي عائد ممكن من ورائه وتكسب أرضية - وهذا كان اول عمل سينمائي تنتجه - بشكل مباشر تدخلها مباشرة في مضمار المنافسة ، اخذت في الأنتظار حتي هدأت الرياح وتتابعت الأعمال ثم واصلت تأمل الفيلم بمنتهي الدقة ولا اقول الترصد ، والحق انني كنت اترقب عرضه قبلها بعام - وللعلم فهو كان جاهزا في علبه قبل العرض بعام فعلا - وحين بدأت ماكينة العرض كنت هناك ثم بعدها كان العبء قد انتقل الي الكومبيوتر الشخصي ، لاحظت ان الفيلم قد أتي في أزمة واضحة جدا للسينما وهي فيضان الأنتاج وعدم وجود الورق الجيد وكذلك سيل الأفلام التجارية الذي يمطرنا به غير الموهوبين ومن بين هذا كله كان العرض
اعتمد المخرج مروان حامد في الأخراج علي الواقعية وتحميل معاني كثيرة جدا علي عناصر الفيلم المختلفة من تصوير وإضاءة وصوت وملابس وديكور ومونتاج وبالطبع الموسيقي ولم يكتف بالأداء غير الطبيعي من الممثلين فقط وبالتالي صار علينا ان ننتبه الي ان الفيلم لهو مما يعادل خمسة او ستة أفلام مما نري ونتابع كل يوم ، فالموسيقي فيلم والديكور فيلم والمونتاج فيلم والإضاءة فيلم وكانت المهمة الشاقة علي المخرج ان يقسم الأدوار فيما بين هذه العناصر
والا سيلتهم ايها الأخر ، وفي بعض الأحيان للأسف لم يفطن البعض الا لما تحمله وجوه الممثلين من تعبيرات وما اطلقته السنتهم من جمل دون تأمل لباقي عناصر الفيلم

حاول مروان حامد ان يوظف كل العناصر لخدمة رسالة الرواية وتلخيصها بل وتلخيص صفحات كثيرة سودها الأسواني في لمحة عابرة تمر في المشهد من مثل تبليغ رسالة في البداية ان ( زكي الدسوقي - عادل امام ) جالس في بار يقل كثيرا عن مستواه من خلال الإنتقال بالكاميرا من حذاء المتسول المتأكل الي حذاء ( زكي بك ) الإيطالي الفاخر او مثلا التدليل علي وضاعة اخلاقيات المكان بمشهد محاسبة احد النوادل لزبون ثمل ومحاولة تحميله ثمن ما لم يشربه مستغلا سكره وهو ما يذكر ( زكي ) بحالته حين استغلت النادلة سكره في هواها ونجحت في سرقته
كانت هناك لمحة أخري لخصت فيها الصورة كلاما كثيرا كتبه الأسواني وذلك في مشهد يصور نهاية لقاء زوجي بين ( محمد عزام - نور الشريف ) وبين زوجته الجديدة يبدأ بنهوضه هو مكتفيا بالسعال بينما تقوم هي من ورائه مشيعة اياه بنظرة اشمئزاز من ضعفه وقلة حيلته علي الرغم من انها قبل دقائق كانت تستعطف رجولته كي نكنفي بذاك القدر، بل ويصل الإبداع لمنتهاه حين يأتي مشهد اغتسالها تحت المياه ثم تقبض علي ( لوفة ) وتهم بحك جسدها ثم تذكرها اللوفة بملمس جلد زوجها الخشن المقزز فتتدافع دموع المرارة من عينيها ولا تملك الا ان تطوي صدرها علي وجعها
يمكننا ان نتحدث عن الأطياف التي شكلت هذا العمل السينمائي ولكني فضلت ان ألجأ لعرض كل خط خاص بشخصية كل علي حدة مع الإشارة لما تضمنه من رقائق وجماليات
خط ( طه الشاذلي )ه
طه الشاب ابن البواب الذي يحلم بالالتحاق بكلية الشرطة ويصطدم حلمه بصخرة الوساطة المتفشية و المتحكمة في أمور الوطن لكي ينكمش علي نفسه المنكسرة ويأتنس بجماعة اسلامية يعتقد بعونها علي نيل الأخرة طالما انه فشل في نيل ما يطمح اليه في الدنيا ، أدي الدور محمد إمام في دور اول يحسب له ، والخط الخاص به مر بنقاط ابداعية عديدة من مثل مشهد المظاهرة الذي بدأ بكل رقة ليصور بزوغ الفجر
والطيور التي طارت تبحث عن رزقها ثم الإنتقال بنعومة لإظهار سيارات الأمن المركزي
وهي تزحف جهة الجامعة الشامخة في وداعة ، وتظل الوتيرة تتصاعد الي ان ينتهي المشهد باعتقال
طه وبالطبع كان كل هذا علي خلفية موسيقية مواكبة للحدث والقتال والمطاردة بمنتهي الحساسية ، ولا
ننسي مشهد التعذيب الذي كان مكللا كله بإضاءة قصدت إظلام المحيط وصبغه بالسواد للدلالة علي
الجرم المرتكب بعيدا عن نور الحرية والشرعية والمحاسبة ، وايضا لننتبه جيدا الي السيارة التي اوصلت طه والشيخ الي المعسكر انها لخصت ما كتبه الأسواني عن انها سيارة من سيارات مصانع الأسمنت في حلوان ، والمونتاج الذي قصد ابراز مواصلة العلاقة الزوجية لطه بشكل مستمر دلالة علي ما منحه هؤلاء من اشياء حرم منها ايان كان سويا ، بل امتد الإبداع في اللقطة الي تصوير الزوجة وهي تحاول استبقاء زوجها معها رغم استماعها لإستدعاء الأمير وهي دلالة صريحة علي النزعة البشرية في البعد عن العنف لصالح البقاء والحياة والتزاوج والإعمار ،واختتم الخط الخاص بطه بمشهد انتقامه ممن عذبوه وقد بدأ القتال ومع بدايته أصر المخرج علي تصوير مصرع السائق لسيارة الضابط في إشارة للضحية الحقيقية للصراع بين الجماعات والحكومة كما ان مصرع الكل عدا أحد أفراد الجماعة وأحد افراد الحراسة دلالة اخري علي ان المواجهة لا تزال مستمرة!!ه
خط ( زكي الدسوقي )ه
زكي العجوز الستيني الذي يعاني من ضعف انساني شديد تجاه النساء وفي
مرحلة لاحقة تمتد المعاناة الي السلوك العدواني غير المفهوم من شقيقته دولت
والتي تقوم بطرده من الشقة ومخاصمته امام القضاء ، ادي الشخصية بالطبع
الفنان عادل امام ولابد ان نذكر انه من الأعمال القليلة التي التزم فيها عادل امام
بالسيناريو دون اللجوء الي لزماته التي لا تفارقه عدا في مشهد وحيد حين صادف ( حاتم رشيد ) ومعه صديقه عبد ربه امام الأسانسير في العمارة ،
كان خط زكي الدسوقي خطا رئيسيا في الرواية قبل ان تكون كذلك في الفيلم الذي بدأ وانتهي بها ، زكي علي الرغم من ضعفه امام نزواته بما قضي علي سعادته في تزوج من يحب الي انه شخصية مسالمة جدا جدا فهو لا يملك الجرأة التي تمكنه من إيذاء البشر - ولو حتي باللفظ - بدم بارد مثل الكثيرين حتي حين اختصمته اخته لم يستطع الرد عليه رغم جورها البين بل وامتدت طيبته وعدم قدرته علي الإيذاء الي ان يتزوج من بثينة السيد كي يرأب الصدع التي تركته اخته في نفسها، تقاطرت لحظات الإبداع في الخط الخاص بزكي الي حد فائق ، انظر مثلا الي مشهد البداية في الحانة الرخيصة وانظر الي مشهد الرقصة مع بثينة حين استعان المؤلف ومن بعده المخرج بصوت ( إديث بياف ) الدافئ لتتدفق المشاعر بينهما رقراقة شفافة بما يسمح لها ان تقول له انهما لابد ان يبقيا اصحاب ، وكان بالطبع الحوار هو البطل سواء في مشهد المكاشفة مع يسرا والذي اختتم بمونولوج بديع مع القاء رائع لحقته موسيقي بديعة تصور زكي يناجي ربه طالبا العفو والمغفرة ومعها كانت الإضاءة تركز علي وجه زكي كأنه في يوم المناجاة بالفعل او حتي في مشهد سيره سكرانا في الشارع بمساندة من بثينة ليلقي المونولوج القاتل عن ( البلد اللي باظت والمحلات اللي خربت والعمارات اللي بقت مزابل من فوق ومن تحت مسخ) وكان مشهد النهاية بالطبع من الابداع بما لا يسمح لي بالحديث عنه
خط ( محمد عزام )ه
الحاج عزام التاجر العجوز الذي تنضح ذكورته فيشتهي الزواج ويشتهي السلطة والحصانة يحمي بهم امواله يتزوج من ارملة سكندرية ويقابل كمال الفولي السياسي المخضرم الذي يوزع دوائر عضوية مجلس الشعب علي من يدفع ثمنها ثم يبدأ في طلب المزيد من عزام الذي يتخيل ان بوسعه ان يرفض!!ه ، ادي الدور نور الشريف وكان خطا غير قليل ابدا في العمل السينمائي ومر بلحظات فنية عالية كان الرئيسي فيها مشاهده المشتركة مع خالد صالح الذي نجح في اجتذاب الكاميرا ومن قبلها انتباه المشاهد واحترامه

فحين بدأ الحوار في مكتب الفولي كان بعد ان التهم الفولي قطعة حلوي بشهية سليمة وهو ما سيظل ملازما له طوال مشاهده في الفيلم بما يعطينا جرسا ينبهنا الي المغزي من تجمع كل شئ في ( كرشه )!!ه ، وكان الحوار هو البطل في مشهد الحفل الذي اقامه عزام لافتتاح التوكيل فقد اجتذبه الفولي الي منطقة بضاءة شبه مظلمة ومحاطة بالأستار( بما يدلنا علي ما يحدث في الكواليس خلف هذه الحفلات ) واخذ يعاتبه علي تأخره في دفع ربع الأرباح
ويبدأ الحوار يأخذ شكله البديع - مشفوعا بالقاء خالد صالح الحرفي - حين يبدأ الفولي يقول( طيب دا انت في كل حتة في راسك بطحة ، اقولك كده علي خربوش صغير : انت عملت ايه في التجنيد؟!) ويتواصل الحوار الي ان ينتهي والفولي يكبش من طبق الفاكهة امامه بما لا يخيب ظننا ابدا!!ه
وبالطبع لا ننسي الكلمة التي ختمت هذا الخط حين قال عزام للفولي انهم الان شركاء في كل شئ وهو بالطبع بهذا يأخذ منه تصريح لمواصلة نشاطه بالاتجار في المخدرات
كانت من خصائص عزام ايضا التدين المظهري الذي انتشر مثل النار في الهشيم فعلي الرغم من مصادقته للشيخ السمان بالجمعية الشرعية وتمسكه بلقب الحاج والسبحة واللحية واعمال الخير الا انه لا يتورع عن تدخين الحشيش في خلوة مع ابنه او زوجته او مطالبتها بالاجهاض بل واجهاضها بالقوة رغما عنها وانكار حقوقها لديه ولا ينسي ان يرسل ابنه لها ليذكرها ان الحاج لا يخالف شرع الله!!!ه
خط ( بثينه السيد )ه
الشابة الفقيرة التي ورثت ديون ابيها وحمل اخوتها وتحاول ان تتمسك بفكرتها عن البنت التي تحفظ نفسها ولكن تجد المفاهيم قد اختلفت كثيرا
عند من حولها دون حتي استثناء لوالدتها ، هي تعيش قصة ألفة مع طه الشاذلي منذ ان نشأ سويا علي السطح لكن سرعان ما تأتي الحياة لتطيح بالعلاقة كالمعتاد الي ان تذهب للعمل لدي زكي الدسوقي ، قامت الممثلة هند صبري بالدور علي خير ما ينبغي ، وصار الخط الخاص ببثينة موئلا للألم مرات وللرقة مرات وللسعادة مرات ، انظر الي مشهد لقائها مع طلال صاحب المحل في مخزن الملابس لكي تختتمه وانت ممتلئ بالشفقة علي هذا العصفور وهو يبكي مما ألم به ، وايضا الي مشهد جدالها العنيف مع طه في اخر لقاء بينهما حين جعلها السيناريست تتحدث باسم مصر كلها وهي تتحدث عن فراق ابدي بينهما فهو ( داخل علي سكة مشيخة ) وهي ( تلبس قصير ومبسوطة كده)!!ه
ام ننظر الي المشهد الرقيق حين افرغت ما في صدرها امام زكي الدسوقي من الضيق الذي تحياه ثم انتقل الحال الي اجواء ملائكية بصوت اديث بياف المخملي

خط ( حاتم رشيد )ه
والأن نختتم هذه الرحلة الطويلة بصاحب الماستر سين ، اجمل المشاهد في الفيلم جمعاء من وجهة نظري كانت محملة علي خط حاتم رشيد الصحفي ومدير جريدة لو كير الصادرة بالفرنسية في القاهرة والذي يعيش وحده في شقة بعمارة يعقوبيان ويسلك سلوكا شاذا في حياته الجنسية ، أدي الدور الفنان خالد الصاوي بمنتهي منتهي الحرفية والتمكن بما اذهلني انا شخصيا من صعوبة الدور ودقة الملامح التي ترسمه ، كان الابداع قد بدأ يتقاطر منذ مشهد بداية الظهور في الصحيفة حين لخص المشهد صفحات عديدة سودها الأسواني في وصف كفاءة حاتم وحزمه الشديد وتصديه بكل حده لاي محاولة من المحيطين به للاساءة اليه عبر ذكر موضوع يتماس مع ميوله الشاذة ، كذلك لخص المشهد نشأته التي تجذرت فيها الثقافة الفرنسية والا لما كان علي القنصل الفرنسي محادثته بألفة عالية ، المشهد الثاني الذي حفل بالابداع في السيناريو والحوار والاخراج كان مشهد التقرب الي مجند الأمن عبد ربه فقد بدأ بهيئة تشبه الأقتناص والصيد ثم اختراع مناسبة للكلام ثم محاولة مد حبال الحديث وانتهاءا بترك انطباع جيد لدي المتلقي يسمح بيسر المهمة في المرة التالية !!ه
المشهد التالي كان مشهد المستشفي لدي مرض ابن عبد ربه فقد بدأ المشهد بالطبيب وحاتم يسيران متواجهين في طرقة المستشفي وبينهما عبد ربه وزوجته كمثال واضح للسبب - حاتم - والنتيجة التي سيلقيها عليه الطبيب بوفاة الولد
المشهد التالي كان لدي علم حاتم بمغادرة عبد ربه فاذا به يصعد مباشرة الي حجرة الأخير ، الأضاءة كانت تقسم الحجرة الي منطقتين واحدة مضيئة واخري مظلمة وحاتم يروح بينهم ويجئ كأنهم يشيرون الي انه الان علي اعتاب مفترق طرق اما ان يكمل في الظلام او ان يعود
يخرج من الحجرة وتلعب الإضاءة لعبتها حين يقصد المخرج تصوير مصباحين او ثلاثة علوية يسير حاتم تحتها ملاحقا بنظرات جيرانه ولعناتهم كأنه بهذه الإضاءة عاريا مكشوفا بخطيئته امام اعينهم ثم يفضي هذا كله الي مشهد دخوله شقته بكادر مقسوم نصفين احدهما مظلم والاخر مضئ وهو يدخل من بينهما من الباب لكنه وللأسف يتجه للجانب المظلم - بما يدل علي اختياره -ليجلب زجاجة الخمر وكأسا - وقد كان ابراز الخمر دوما في بداية كل مشهد سيفضي الي مصيبة - ويدخل الحجرة ليؤدي واحدا من اعظم مشاهد السينما المصرية في رأيي علي مستوي المونتاج والكلام والاخراج وبالطبع الأداء

Nov 6, 2008

النـــّصبـــَة... لوحة من الواقع !!ه


وماذا علي ان افعل الأن؟

محمد أمامه علي الأقل نصف الساعة الي أن يصل ، يقول أن كوبري أكتوبر (مطرشم) ولن يستطيع أن يأتي في الموعد ونصحني أن أنتظره علي مقهي قريب في نفس الشارع الذي علي ناصيته كان اللقاء دون ان أبتعد لأنه لا يستطيع ان (يركن )في انتظاري فرجال المرور ( شادين حيلهم)!!ه

وبالرغم من ان محل عملي يقع في نفس الشارع الا انه من الصعب علي ان أعود اليه او حتي ان الجأ الي الجلوس علي مقهي لذا وبعد هنيهة من التفكير أثرت أن الجأ الي هوايتي الأثيرة في مراقبة الغادين والرائحين خصوصا وانني لم أسمح لهوايتي هذه ان تتفلت ابدا منذ ان بدأت التردد علي هذا الشارع

وبطبيعة الحال كنت اعرف ان الشارع جزء من حي راقي تسكنه الطبقة الميسورة وتتزاحم سياراتها الفخمة في شوارعه ، وعلي هذه الناصية بالذات كان هناك تجمع من (الفواعلية) وهم مجموعة من العمال - صعايدة في معظم الأحيان - الذين تباطأ المال عن ان يصل الي قراهم البعيدة فصعدوا هم الي العاصمة لإستقائه ، يتجمعون كل صباح علي ناصية اي شارع وكل منهم قد لمّ أدواته - من شاكوش وأشكال متعددة من الأجَـنَـة - في رباط مطاطي أسود سميك ووضعها منتصبة علي حافة الرصيف دلالة إعلان وعلامة قوة الأداء في الوقت ذاته!ه

بدأت في التمشية ببطء علي الرصيف ظاناً ان السيارات الفخمة وأحوال اصحابها خلف نوافذها سوف يستأثران بإهتمامي الي اني سرعان ما تحول انتباهي الي العمال الجالسين في الجزيرة الوسطي القابعين في شبه وداعة لا تمت بصلة ابداً لما اعرفه عن تكأكئهم علي اي صاحب محل او مستأجر شقة يأتي ليستأجر عافيتهم في هدم جدار او رفع الرمال او الأسمنت وكل منهم يقنعه انه هو الأصلح لمثل هذه المهمة أو أنه أرخص في ( يوميته) وهكذا

وأين هذا الصعيدي الذي يستطيع ان يحيا دون اكواب الشاي الثقيل؟

غني عن البيان بالطبع ان اقول ان مثل هذا التجمع قد رزق بفردين او ثلاثة يتكسبون من وراء (نَـصـبَـة)شاي ينصبها كل منهم في ابسط الصور من موقد كيروسين - او غاز ايهما اوفر- وحيد العين وقفص فاكهة مقلوب عليه لوح خشبي متوسط وضع فوقه مرطبان شاي عملاق واخر اكبر منه للسكر ورصت الأكواب بجوارهما تشتمل كل منها علي ( التلقيمة ) ولا تنتظر الا الماء المغلي ومن قبلها طالب الكوب أصلاً

ضاقت مسافة تمشيتي المتمهلة وقاربت ان تكون المسافة حول ( النصبة )، لاحظت ان الجالس أمامها نظر لي نظرة عابرة وأشاح بوجهه متماً نظرته الأستكشافية ،هو يقول طبعاً ان هذا ( الأفندي )ليس من عملائه المستهدفين في الأساس!!لكنه فوجئ بي أجلس علي حافة الرصيف بجواره وكذب أذنيه حين قلت له ( واحد شاي)!!!ه

لاحظت أنه تجاوز الموقف بشجاعة وبدأ في صب الماء في حذر وبدأ يتلفت حوله ليبحث عن من يجلب ماءاً مثلجاً إثر طلبي ولكني أكتفيت بالماء من ( الجركن )بجواره ، حاولت أن أحتضن كوب الشاي الساخن وأتجاهل نظراته المستغربة التي تأكدت من أنه يسددها لي وحاولت أن أنشغل بمراقبة المارة حتي يصل،،،،،ه

تعرف كلية التربية؟-

قطع السؤال أفكاري وتصورته من صاحب ( النصبة )ولكن حين التفت وجدت رجلا جنوبي الملامح أسمر ذا شارب لا بأس بحجمه يرتدي جلباباً رمادياً حال لونه وقد أمتلأت عيناه بلهفة غريبة تضارع غرابة السؤال

جامعة أيه؟-

تسللت الي عينيه بعض الحيرة وهو يرد بلهجة جنوبية

ماخبرش ،هي تفرج عاد ، كوباية شاي يا ابو شيماء الله يرضي عليك-

بالطبع كان هذا سؤاله الغريب الثاني فإن كان يجهل بأمور الجامعات فما الباعث أصلاً لسؤاله ولهفته؟!!ه

( أستأذن في عدم قدرتي علي متابعة نقل الحوار بلهجته الجنوبية وان كنت أجتهد لمقاربة الألفاظ بالمعاني)

قررت مهادنته فقلت له ماذا تريد من هناك؟

أخذ رشفة من كوبه - أسود اللون - ثم تسلل الي عينيه تعبير لم أستطع التعرف عليه وهو يقول:ه

لا أريد شيئا ، رأيتك أفندياً نظيف الثياب فقدرت انك قد تكون متعلم في كلية التربية وكنت سأسألك علي أحد معارفي

هنا كان الموضع الحكيم للصمت، ان لم يواصل حديثه فقد كان مقصوده فعلا مثل ما قال أما ان واصل الحديث فهي فرصة للتعرف علي ماهية هذا التعبير في عينيه!ه

قال وقد بدأ الشرود يتثاقل في نظرة عينيه:ه

جدع شاب أسمه ( خالد) من عرب قنا عرفته في أول أيامي هنا في مصر ، نزلت هنا مديون وسايب مراتي وعيالي في الدار منتظرين أبعت لهم اي نقدية تكفيهم السؤال ، جماعة أقربائي أعطوني ( العدّة ) ودلّوني علي شارع في الجيزة أقف عنده بانتظار اي أحد يطلب (فواعلي)، كنت قلقا مهموماً عقلي يكاد ان يفارقني ويسافر للبلد ليري أحوال العيال، وحين غلبني اليأس من أن أحصّل رزقاً يومها لجأت الي حديقة تشبه هذه وتمددت فيها واضعاً أدواتي تحت رأسي ورحت في النوم ، لم أدر كم نمت لكن حين أستيقظت كان هناك قميصاً نظيفاً حلو الرائحة علي وجهي وحين أزحته وجدت شاباً بجواري تعلو وجهه النجابة ومع ذلك يرتدي ملابس قديمة علي نظافتها!! ، تهلل وجهه حين قمت ونصحني ألا أنام تحت الشمس ورأسي مكشوف فانتبهت الي اني لا ارتدي العمّة ، قال ان اسمه ( خالد ) وانه من عرب قنا وانه متعلم في كلية التربية وان كان مرض والده المزارع تقتضي ارسال اي نقدية في أقرب وقت ودون انتظار ولذا لجأ لمثل هذا العمل

بعدها قام وأعطي الكوب الي أبي شيماء وأعطاه شيئاً غامضاً ( عرفت فيما بعد أنه ثمن كوبي الشاي)ثم أبَ اليّ وقال:ه

لا أخفي عليك فان قلبي انفتح له منذ ان رأيته ، كان حلو المعشر مطّلع ذا نظرة في احوال الناس وكان دوماً يعيرني اهتمامه وسمعه اذا ما تحدثت عن العيال وأحوالهم ، وقد شعرت أنه قد أخذ علي نفسه عهداً من ليلتها أن يقوم علي خدمتي والتخفيف عني ومصاحبتي ، مرت أيام عديدة كان فيها نعم الأخ والسمير والصاحب ومع هذا بدأ المال القليل في جيوبنا يتناقص بسرعة حتي بعد أن انتوي التوفير في الأكل ومقاطعة السجائر وأبداً لم تأت اي ( مقاولة )تنقذنا ، وحين اتصلت بالعيال ذات ليلة شكت لي أمهم أن لا أحد يريد أن يقرضها ولا تدري ماذا تفعل ، عدت اليه والدنيا امامي مثل ثقب الأبرة فوجدته هو الأخر قد علم أن أباه قد نقل الي المستشفي وعلي وشك جراحة تستلزم مبلغاً للتعاقد مع الطبيب ولا يدري ماذا يفعل ، بتنا ليلتنا مفتوحي الأعين وحين جنّ الصباح أتجهنا الي موقع وقوفنا ننتظر الرزق ولم يأت الضحي الا وقد تزاحم ( الفواعلية ) من حولنا وقد علا عجيجهم ، لم أكن معه كان عقلي مع زوجتي التي لا تجد ما تطعم به العيال هناك وعيوني تحتضن ناصية الشارع لاقتناص الرزق قبل من حولي وكنت أعرف انه هو الأخر لم يكن معي وأن عقله يكاد يكون مع والده ولاحظت أن عيونه تجري بسرعة خرافية علي الطريق

كنت ساعتئذ قد نسيت كل شئ عن المكان الذي انا فيه و( محمد ) الذي سيصل في اي لحظة الان واني جالس علي الرصيف بجوار ( نصبة ) شاي ، لم يكن في رأسي سوي ما يحكيه ( سـعـد)وقد لاحظت أن ألماً من نوع غريب قد بدأ يغزو وجهه حين قال:ه

وأذا بي أفاجأ بشئ يماثل الوحي يخبرني أن السيارة السوداء التي تقترب سوف تتوقف لتطلب ( فواعلية) واذا بي وسط ذهول الجميع أقفز وأتعلق بمقبض باب السيارة الخلفي وأجري متعلقاً به الي ان بدأ من حولي يفهمون حين هدأت السيارة سرعتها لديهم ، تزاحموا حولي وانا احاول فتح الباب لكنه كان موصداً ، وصلتني لهجة صاحب السيارة تطلب في أنفة واحداً فقط ، أخذت أخلص كل الأيادي التي تمسكت بالمقبض بمنتهي القسوة ولابد ان شكلي كان مرعباً لأنه لم يفكر أحد فيمن أذيتهم في رد الأذي لي ولم تبق سوي يد واحدة استماتت علي المقبض وحين رفعت عينيّ الي وجه صاحبها اصطدمت بوجه ( خالد )ينظر لي بثبات ، هو قد رأي في عينيّ اولادي الذين عاهدني ان ان يكون لهم نعم العم وانا رأيت في عينيه والده الذي قضيت الليالي اواسيه وأطمئنه علي صحته ، وجدت نفسي اتخلي عن المقبض وأخبرته انه هو الأحق وأنني أستطيع الأنتظار بينما تراجع هو الأخر وهو يهز رأسه غير راضيا ، أخذ كل منا يحض الأخر علي أن يركب والكل حولنا مندهش من سلوكي القاسي اول الامر ( لاحظت ترقرق الدموع في عينيه) واذا بي أستعيد صورة ابنتيّ وامهم وهم جوعي هناك فتقدمت نحو الباب وكان هذا في نفس اللحظةالتي تقدم هو الأخر نحو الباب قاصداً الركوب!ه

نظر اليّ نظرة لم أهنأ منذ ان رأيتها بنوم الي الأن ، كان فيها من الرحمة والحنان والود والحيرة ، كان كل شئ قد صار واضحاً لكلينا ولكنه تراجع بسرعة وأعطاني ظهره وانصرف لكي لا يعطيني الفرصة ، تجمدت مصدوماً للحظة ثم فتحت الباب وركبت وتحركت السيارة ورأيته سائراً بجوار السيارة ينظر في الأرض دون التفات

كان هذا يا أستاذ منذ حوالي اربعة اشهر لم أتوقف فيها لحظة عن البحث عنه دون طائل ، حتي جماعتنا هنا لا يدرون عنه شيئا ولم يعد لبلده علي الرغم من وفاة والده ، ولما رأيتك اليوم وددت لو كنت زميله وتعرف مكانه او تعرف حتي اين اجده،،،،،،،،ه

مرت بي سيارة ( محمد ) وسمعت ندائه وقد توقف ، تحاملت علي نفسي لكي أقف واسير اليه وهو لا يتوقف عن الاشارة لي في المراة بأن أسرع ومددت يدي لمقبض الباب وعندها لم اتحمل كتمان دموعي اكثر ، فلم أجد أيادي تصارعني علي مقبض الباب!ه